ماذا تعدّ دبي للمستقبل؟ بقلم د. عبد الله المدني

الاقتصاد الآن

2159 مشاهدات 0


 


نجاح مجموعة من الأفراد مرهون بتعاونهم، وعملهم بروح الفريق الواحد المدرك لأهدافه، والمتحرك وفق رؤية واضحة وبرنامج زمني محدد.

هذا ما لمسته من حضوري أخيرا لفعاليات منتدى الصحافة العربية في دبي في دورته الثانية عشرة. إذ استطاع الفريق الذي تقوده ثلاث من خيرة بنات الإمارات وهن منى المري مديرة المكتب الإعلامي لحكومة دبي، ومريم بنت فهد المديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة، ونائبتها منى أبو سمرة، أن يحول هذا التجمع السنوي إلى ما يشبه دافوس الإعلاميين العرب - بحسب تعبير الدكتور زياد الدريس - بل استطاع الفريق أن يبدد الصورة المختزنة في عقول الكثيرين من أن دبي ليست سوى ناطحات سحاب، وبلد سياحة التسوق العابرة، ويضع مكانه صورة البلد القادر أيضا على نشر العلم والفكر والثقافة والفن والتنوير والابتكار والإبداع إلى جانب التسلية والترفيه والمرح.

ولعل أحد الأسباب الأخرى لنجاح هذا الثلاثي وفريقهن المكون في معظمه من الإناث لجهة تنظيم برامج المنتدى وفعالياته بإتقان وحرفية، والسهر على راحة أكثر من 3500 إعلامي في وقت واحد هو الثقة التي أولاها لهن باني نهضة دبي ومهندسها الأول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أهداني وأهدى كل مشارك نسخة من كتابه الجديد ''ومضات من فكر'' الذي يضم خلاصة حوارات أجريت معه.

ومن يقرأ هذا الكتاب لا بد أن يتوقف مطولا ضمن أمور أخرى عند حديثه عن المرأة وقوله إنها روح المكان وصاحبة عاطفة جياشة وقلب رحيم وعقل ذكي وروح طموحة ونظرة مختلفة إلى الأمور، وقوة أكبر مما يظنه الكثيرون.

وأستطيع اليوم أن أجزم أن ثقة الشيخ في بنات بلاده كانت في محلها، فهن لم يكتفين بما سبق ذكره، وإنما صرن يتطلعن اليوم إلى دور في التخطيط لبناء دبي المستقبل عبر استمزاج آراء أهل العلم والخبرة، وفحص النماذج الخارجية الناجحة، وتقديم ''وصفة'' لما يجب عمله خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة كي تحافظ دبي على مكانتها النموذجية في المنطقة. ففي دورة المنتدى الأخيرة دعت منى المري نخبة من المشاركين إلى حفل عشاء في أحد أكثر الأماكن فخامة (فندق أرماني)، لكن هذه الدعوة لم تكن من أجل أن نملأ بطوننا بما لذ وطاب فقط وإنما بهدف أن تضع أيضا كل مجموعة من المدعوين على طاولتها تصورها الخاص لما يجب أن تخطط له دبي اليوم من أجل المستقبل.

أما جلسات المنتدى هذا العام فقد تميزت بتماهيها مع الملفات الإعلامية الأكثر سخونة وتداولا بين الجماهير. حيث كانت هناك جلسة حول الإعلام الساخر، أدارها الإعلامي اللبناني الموهوب طوني خليفة بحرفية، وشارك فيها مع آخرين عميد البرامج التلفزيونية الساخرة وصاحب الجماهيرية الطاغية داخل مصر وخارجها الدكتور باسم يوسف. في هذه الجلسة طلب أحد المشاغبين المداخلة ليقول إن التكليف الشرعي يحرم ويجرم السخرية مصداقا لقوله تعالى '' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ'' (سورة الحجرات)، فتصدى له باسم، شارحا أسباب وظروف نزول الآية، وانتفاء علاقتها بما يفعله هو لجهة السخرية من نظام سياسي إقصائي ومتخبط في قراراته، الأمر الذي أوقع المتداخل في حرج شديد.

كما كانت هناك جلسة بعنوان ''الخبر في زمن الطفرة الرقمية''، خُصصت لمناقشة تغول وسائل التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام التقليدية لجهة نشر الخبر وتفاصيله، وشاركت فيها الإعلامية اللبنانية الجميلة ريما مكتبي التي قالت ''إن الإعلام العربي يعيش حالة جديدة خلقت ما يمكن تسميته بالمواطن الصحافي''. وخرجت هذه الجلسة بإجماع على ضرورة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات مكملة للإعلام التقليدي وليست بديلة عنها، وبتأكيد على أنه رغم أهمية الوسائل الحديثة، إلا أنها تفتقر إلى ما تتميز به الوسائل التقليدية من مصداقية وثقة.

وكان للغة العربية، التي تواجه تحديات كبيرة في ظل ثقافة وسائل الاتصال الحديثة ذات اللغة المتهالكة السريعة، حضور في المنتدى من خلال جلسة عُنونت بـ ''مذبحة الضاد''، أدارتها باقتدار الإعلامية البحرينية ''بروين حبيب'' التي تشق طريقها بثبات في الحقل الأكاديمي في دبي، وشارك فيها أستاذنا ''المحبر'' سمير عطا الله، وفاروق شوشة الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة. وسمير عطا الله، بالمناسبة، ضيف دائم على المنتدى، ويسعد الجميع به لطراوة حديثه ومخزونه الثقافي الكبير المتأتي من سنوات عمله الطويلة في كبريات الصحف، ناهيك عن قدرته الفذة على الإيجاز والاختصار.

لم يحالفني الحظ هذه المرة في الالتقاء بحارس الأمن الأول في دبي الفريق ضاحي بن خلفان الذي أعتقد أنه ما كان ليتخلف عن حفل إطلاق فعاليات المنتدى لولا انشغاله بمؤتمر أمني عقد بالتزامن، لكن العوض كان في لقاء جمعني برأس السلطة التشريعية في الإمارات الحبيبة الصديق محمد المر العاشق حتى النخاع للموسيقى الكلاسيكية والأوبرالية، والعارف بأسرارها ورموزها وسيمفونياتها. إنه حقا لأمر رائع أن يكون على رأس المجلس الوطني الاتحادي رجل بهذه المواصفات التي تساعده حتما على التوفيق بين الآراء المتباينة وتجسير الهوة بين أصحابها بهدوء واتزان، على الرغم من أن وجوده في هذا الموقع الرسمي حرمنا مؤقتا من إبداعاته في حقله الثقافي الطبيعي.

كثيرون هم الأصدقاء الذين التقيت بهم على هامش فعاليات المنتدى. فمن الإعلامي القدير حسن معوض صاحب الماركة المسجلة باسمه (أليس كذلك؟) في برنامج ''نقطة نظام'' من قناة العربية إلى الكاتب اللبناني الموهوب في اختراع المفردات والمصطلحات العربية الجديدة حازم صاغية، الذي فاز بجائزة أفضل عمود صحافي. ومن عثمان العمير صاحب جريدة ''إيلاف'' الإلكترونية والشخصية الذي تأسرك أحاديثه وطرائفه وذكرياته، إلى زميلنا في ''الاقتصادية'' عبد الله العلمي الذي تزاملت معه في السنة التمهيدية في كلية البترول والمعادن قبل أن تفرق بيننا السبل قبل أربعين عاما، فإلى الصديق رشيد الخيون الباحث العراقي المتبحر في شؤون التراث والمذاهب الإسلامية وغير الإسلامية.

على أن أكثر ما أسعدني هو الالتقاء بثلة من الإعلاميين السعوديين الشباب ممن اختاروا دبي مكانا لإقامتهم وعملهم من أمثال تركي الدخيل صاحب برنامج ''إضاءات'' من قناة العربية والأخ فهد الشقيران الذي يتولى حاليا رئاسة دار مدارك المعروفة بالنشر الرصين، والأخ محمد العمر الذي لم أعرفه، لكنه بادر طواعية بتعريف نفسه قائلا: ''محمد العمر صحوي سابق'' الأمر الذي أثار فضولي ودفعني إلى سبر أغواره للتعرف على قصته، وهي قصة يجب أن تروى، بل رويت بالفعل من خلال رواية ''الطائرة الخامسة: أوراق إرهابي فاتته رحلة أفغانستان''، فهو كان قد حزم حقائبه استعدادا للسفر إلى أفغانستان للجهاد، لكنه ما أن حل في مطار دبي كراكب ترانزيت، ورأى ما رآه من تألق وبهجة ووجوه تواقة للحياة وإعمار الكون بدلا من هدمه، حتى تغيرت قناعاته وترك الطائرة تذهب إلى أفغانستان من دونه.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك