رأيان كويتيان متعارضان حول ما يجري بمصر،

زاوية الكتاب

لا شرعية للصندوق وحده، وخراب وفوضى بحال إزاحة من أتى بصندوق الانتخاب

كتب 2026 مشاهدات 0


كتب بدر الديحاني مقالا يرى فيه أن صندوق الانتخاب ليس شرعية بحد ذاته ما لم يكن ضمن ضمانات دستورية ديمقراطية وهو ما يفتقده مرسي، بينما يحذر مبارك الدويلة من الفوضى والخراب في حال أزيح رئيس منتخب مثل مرسي.

مقال اليوم، والتعليق لكم:

الثورة المصرية وشرعية الصندوق

د. بدر الديحاني

 

تجدد الثورة الشعبية في مصر أثار نقاشاً حامياً حول عناصر الشرعية الديمقراطية للنظام السياسي، حيث يردد الحزب الحاكم في مصر (الإخوان المسلمين) ومؤيدوه أن الرئيس د. محمد مرسي هو رئيس منتخب ديمقراطياً لمدة أربع سنوات، وبالتالي من 'حقه' الاستمرار حتى تنتهي المدة الزمنية لولايته بغض النظر عن مستوى أدائه، بل من 'حقه' التصرف كيفما يشاء على اعتبار أن الانتخابات العامة هي العنصر الوحيد للشرعية، فهل هذا صحيح؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نؤكد أن الشرعية الثورية الموجودة في الميادين والساحات العامة والشوارع خلال الثورات هي مصدر السلطات جميعاً، إذ تنهار أمام الثورة الشعبية أي سلطة أخرى قائمة من قبل؛ لذلك سميت ثورة بحيث تبدأ على إثرها القوى الثورية برسم حدود كل سلطة من السلطات العامة وكيفية ممارستها لأعمالها من جديد.
وعودة إلى السؤال فإن صندوق الاقتراع هو الأداة التي يُحتكم إليها عادة في الدول الديمقراطية؛ لتحديد من حصل على أعلى نسبة من الأصوات كي يتولى السلطة، ويتحمل مسؤولية إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ولكن الصندوق لا يحدد الآلية التي يتم بناء عليها ممارسة الحكم أو السلطة العامة، فذلك تحدده المبادئ الدستورية العامة التي تعتبر شرطاً لازماً لمشروعية أعمال السلطات العامة.
 وتصاغ المبادئ الدستورية التي تتضمنها وثيقة الدستور من خلال عملية توافق وطني عام، فلا يجوز أن ينفرد بها طرف سياسي ما دون الآخرين، حتى لو كان هذا الطرف هو الحاصل على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات العامة، وإلا أصبحنا أمام دكتاتورية الأغلبية التي من المؤكد أنها ستضع شروطاً محددة تمكنها من إقصاء الآخرين، وبالتالي الاستمرار في الحكم إلى الأبد حيث لا معنى بعد ذلك إطلاقاً لأي انتخابات قادمة سواء رئاسية أو برلمانية؛ لأنها ستكون مجرد إضفاء مشروعية زائفة على عملية الانفراد بالقرار.
بكلمات أخرى، الانتخابات العامة وحدها لا تعطي شرعية للنظام السياسي ولا سلطة مطلقة للرئيس المنتخب، حيث إن سلطة الرئيس مقيدة وتحدها سلطات أخرى، بل بإمكان الشعب سحب السلطة (الثقة) من الرئيس المنتخب أو من الحكومة البرلمانية قبل انتهاء المدة الزمنية المحددة دستورياً، وذلك إذا ما شعر الشعب أن هناك خروجا على المبادئ الدستورية، أو كان هناك انفراد بالسلطة خلال المرحلة الانتقالية التي تلي الثورة، والتي يتم فيها عادة توافق وطني عام حول آليات ممارسة السلطات العامة.
 وعملية سحب الثقة تكون إما عبر الأطر الدستورية إذا كان ذلك ممكنا كما في الدول الديمقراطية العريقة، مثلما حصل مع الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون، ومع مارغريت تاتشر وتوني بلير في بريطانيا (تم عزلهما من قبل حزبيهما قبل نهاية المدة المحددة)، وإما عن طريق الثورة أو الانتفاضة الشعبية كما حصل، مثالاً لا حصراً، في تونس ومصر.
وحول هذا الموضوع يقول أستاذ القانون الدستوري بجامعة 'لاروشيل' الفرنسية د. وجدي ثابت في مقال له بعنوان 'شرعية دون مشروعية' نشر في صحيفة 'المصري اليوم' بتاريخ 1/7/2013 ما يلي: 'إن فكرة الانتخابات كعنصر وحيد للشرعية ليست فقط فكرة عفى عليها الزمن، بل هي فكرة لم يعد لها وجود مطلقاً في الفكر الدستوري الحديث؛ لأنها نشأت إبان الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر مع فكرة سيادة الأمة.
 ولما اكتشف الفرنسيون مخاطر هذه الفكرة، وما أدت إليه من مذابح على أيدى روبسبير تم تصحيحها، على أن العدول الكامل عنها لم يتحقق إلا بعد أن رأينا الآثار الخطيرة المترتبة عليها من ثلاث دكتاتوريات أوروبية وكانت كلها وليدة انتخابات، ومن هنا لم تكتف الديمقراطيات بالانتخابات لتقيم شرعيتها، إنما كان من اللازم أن تضيف عناصر جديدة على فكرة الشرعية حتى تكتمل، وهي:
1- لا شرعية بلا مشروعية.
2- مبدأ سيادة القانون وليس قانون سيادته.
3- مبدأ الدستورية'.

الكفر بالديموقراطية
إذا سقط النظام في مصر بسبب غير السبب الذي وصل به إلى الحكم - وهو الانتخابات الحرة النزيهة - فهذا ستكون له انعكاسات خطرة ليس على مصر فقط بل على المنطقة العربية والاسلامية والعالمية كذلك. واول هذه الانعكاسات سيكون كفر الناس بالديموقراطية كاسلوب حياة وبالانتخابات كوسيلة لها! لان الناس لا يزالون يذكرون ما حدث في الجزائر قبل عشرين عاما عندما اجريت اول انتخابات تشريعية عامة في البلاد بعد حكم دكتاتوري متسلط استمر لعقود طويلة من الزمان ونجح فيها حزب اسلامي، هو جبهة الانقاذ، بقيادة الشيخ عباسي مدني، غير أن العسكر لم يمكنوه من الحكم، حيث اتهموه بتهم باطلة وانقلبوا عليه وزجوا بجميع قيادات الجبهة بالسجون وزوروا الانتخابات بعد اعادتها واعادوا الحكم الدكتاتوري من جديد.
اليوم يكاد التاريخ ان يعيد نفسه! فبعد ان وصل محمد مرسي الى الحكم في انتخابات لم تشهد لها مصر مثيلاً في نزاهتها وشفافيتها، وبعد ان اعطى للحرية معنى وشعر المواطن المصري للمرة الاولى انه آمن في بيته من زوار الفجر وزبانية النظام، وبعد ان خسر فلول النظام البائد كل الامتيازات الحرام التي كانوا يتمتعون بها والتي بسببها استولوا على مقدرات الشعب وجعلوه من افقر شعوب العالم، اليوم يتباشر المعارضون للرئيس المنتخب ببيان القوات المسلحة ويطالبون الجيش بالتدخل والانقلاب على الشرعية! وطبعا لو حدث ذلك لا قدّر الله فاننا لن نُفاجأ اذا سمعنا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي تبارك هذا التحول اللاديموقراطي وتدعمه، لان هذا بالضبط ما حدث بعد الانقلاب على الشرعية في الجزائر، حيث انكشفت الديموقراطية الغربية وظهر زيفها للعالم اجمع.
إن الانقلاب على الشرعية الدستورية، سواء بالعسكر او بالبلطجة والثورة المضادة، سيؤدي بالناس الى الكفر بالممارسة السياسية التي لم تعد تصلح كاسلوب حياة من خلالها يرتب الناس امور دنياهم، لان الذي يفشل في الوصول الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع لن يهدأ له بال الا بالانقضاض على الحكم بالقوة واثارة البلبلة والفتن في الشوارع واستجداء العسكر لالغاء المكتسبات الدستورية للشعب! واخطر ما في الامر ان الوسطية الاسلامية لن تجد لها مكانا في نفوس اتباع المنهج الاسلامي بل سيحل مكانها التطرف والعنف والقوة كوسائل لاغتصاب الحقوق المهدرة. وسيقول اتباع هذا المنهج لقد تبعناكم في الاسلوب الديموقراطي الهادئ لكن الايام اثبتت انه اسلوب فاشل، حيث البقاء في هذا الزمان للاقوى! (وبلا ديموقراطية وبلا بطيخ)، وسينتشر الفكر الذي نسميه اليوم بالمتطرف، وسيمارس اسلوب اقصاء الآخر كما مارسه دعاة الديموقراطية وحماتها عندما اقصوا الاسلاميين مع انهم هم الذين وصلوا إلى الحكم!
اللافت للنظر اننا لم نسمع من أدعياء الديموقراطية وحماة حقوق الانسان في الكويت تأييدا للشرعية الدستورية في مصر ولم نشاهد أياً منهم من طالب في كتاباته باحترام الارادة الشعبية والانتظار لحين انتهاء المدة الدستورية للرئيس المنتخب ثم اسقاطه بالارادة الشعبية! طبعاً نحن نعلم ان هذا لن يحدث لان أي لجوء للصناديق اليوم سيأتي بنتائج لا تناسبهم ولا تحقق حلمهم ومرادهم، لذلك لسان حالهم يقول اما ان تأتي الانتخابات بمن نريد واما «بلاش انتخابات ومرحى بالجيش!»، بقي ان ندلل على سوء التصرف ورداءة الموقف للمعارضين للشرعية عندما طالبوا بأمرين غريبين: الاول عمل استفتاء على الدستور بعد الغاء المواد التي لا تتوافق مع هواهم! وهم يعلمون جيدا ان الشعب المصري بكل فئاته قال كلمته في الاستفتاء على الدستور الجديد وباركه باغلبية واضحة! والامر الآخر انهم طالبوا بان يتولى رئيس المحكمة الدستورية ادارة شؤون البلاد الى حين انتخاب رئيس جديد! وهم يعلمون ان المحكمة الدستورية هي التي كانت تعطي حسني مبارك نتيجة %99.99 في كل انتخابات! لذلك لا نستغرب عندما تكون عودة النائب العام السابق احد مطالب المعارضة، كما ان مطالبتهم باقصاء جماعة الاخوان المسلمين من العمل السياسي امر يدلل على مدى ايمانهم بالديموقراطية واحترام حرية الرأي!
حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
مبارك فهد الدويله

مقال اليوم-الجريدة-القبس

تعليقات

اكتب تعليقك