تباين أسعار الغاز والنفط الأمريكي مع العالم بقلم سعود جليدان
الاقتصاد الآننوفمبر 10, 2013, 5:12 م 2141 مشاهدات 0
شهدت أسواق الطاقة العديد من التطورات المهمة في السنوات القليلة الأخيرة، والتي كان أبرزها الصعود القوي لأسعار منتجات الطاقة التي يقودها النفط. وصاحب ارتفاع أسعار النفط ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في معظم دول العالم. وبدأ في عام 2004 يظهر تباين بين أسعار الغاز الطبيعي والنفط في الولايات المتحدة، مما أنهى فترة التزاوج بين أسعار المادتين في الأسواق الأمريكية والتي دامت لعقود طويلة. وعلى الرغم من عدم تطابق أسعار النفط والغاز في السابق إلا أنها كانت تتحرك في اتجاهات متقاربة مع وجود فروق بسيطة إذا قيست بالمحتويات الحرارية، أي أن أسعارهما ترتفع سوياً وتتراجع في الوقت نفسه.
وقد أدت الطفرة الأخيرة في إنتاج الغاز الطبيعي بالوسائل غير التقليدية في الولايات المتحدة إلى وفرة كبيرة في إنتاج الغاز الطبيعي في السوق الأمريكية. وقادت هذه الوفرة إلى تراجع أسعار الغاز الطبيعي داخل الولايات المتحدة. وفي المقابل شهدت أسعار النفط العالمية زيادات كبيرة قبل التراجع الكبير خلال الأزمة المالية العالمية في نهاية عام 2008 والتي انخفضت فيها بحدة، ثم ما لبثت الأسعار أن عادت إلى الزيادة حتى تعدت عتبة الـ 100 دولار للبرميل، وتستقر في الوقت الحالي عند هذه المستويات خارج الولايات المتحدة. وتشير تطورات أسعار النفط والغاز الأخيرة في الولايات المتحدة إلى احتمال حدوث انفصال أبدي بين أسعار النفط والغاز في الولايات المتحدة بعد التزاوج الطويل الذي تم بينهما لفترة طويلة.
ولم يقتصر تباعد أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة على التباعد عن أسعار النفط في السوق الأمريكية، بل إن أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة انفصلت عن نظيراتها في باقي دول العالم. فأسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في الوقت الحالي تصل إلى ما يزيد قليلاً على ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية، بينما تزيد على عشرة دولارات في أوروبا والشرق الأقصى، كما تتحرك أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة باتجاه مخالف لأسعاره في أوروبا والشرق الأقصى.
وكانت مستويات أسعار الغاز الطبيعي الأمريكية أعلى قليلاً من الأوروبية في عام 2004، وتراجعت عن مستويات أسعاره في أوروبا عام 2006، ثم بدأت في التراجع القوي منذ عام 2008. وانخفضت في عام 2009 إلى ما دون خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية، وواصلت تراجعها في السنوات التالية حتى وصلت في فترة من الفترات إلى أقل بقليل من دولارين للمليون وحدة حرارية، ولكنها عادت للارتفاع قليلاً بعد ذلك. وفي المقابل ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا والشرق الأقصى واقتربت من 15 دولارا للمليون وحدة حرارية في بعض الأوقات.
وقد شهدت أسعار النفط في الولايات المتحدة بعض التراجع في الفترة الأخيرة، وجاء هذا وبشكل واضح نتيجةً لتزايد إنتاج الزيت الصخري. ودفع تراجع أسعار النفط الأمريكية شركات تصدير النفط الأخرى المصدرة للولايات المتحدة التي من ضمنها شركة أرامكو إلى خفض أسعار نفوطها المصدرة إلى الولايات المتحدة. وليس من المستغرب هذه الأيام أن نرى فروقات أسعار برميل نفط معين تصل إلى 15 دولاراً بين الأسواق الأمريكية وباقي الأسواق العالمية في أوروبا والشرق الاقصى. وتستخدم الشركات سياسة تمييز الأسعار عند اختلاف الأسواق في كل المنتجات وليس النفط وحده. ويؤدي خفض أسعار النفط إلى الولايات المتحدة إلى فاقد كبير في إيراد الشركات المصدرة، ولكن تراجع حجم التصدير إلى الولايات المتحدة يقلل من تأثير خفض الأسعار على الإيرادات ومتوسطات أسعار التصدير.
ويعتقد بعض المتخصصين أن اختلاف الأسعار بين الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأقصى سيستمر لعدة عقود وذلك بسبب ثورة الإنتاج غير التقليدي للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة. والسؤال المهم في نظري ليس حقيقة نهاية التزاوج بين الأسعار الأمريكية للغاز وباقي دول العالم من عدمها، ولكن هل ستؤثر وفرة الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في أسعار الغاز الطبيعي في بقية العالم وتتسبب في خفضها؟ والأهم من ذلك هل سيتسبب تراجع أسعار النفط في الولايات المتحدة في خفض أسعاره العالمية؟
صحيح أنه لم يحدث تراجع كبير لأسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية بسبب وفرته في الولايات المتحدة، ولكن وفرة سوائل الغاز في الولايات المتحدة المصاحبة لإنتاج الغاز الطبيعي تسببت في تراجع أسعار سوائل الغاز على المستوى العالمي. ويعود تراجع أسعار سوائل الغاز إلى سهولة نقلها نسبياً مقارنةً بالغاز الطبيعي. ويرفع تيسر وقلة تكلفة نقل النفط مقارنةً بالغاز الطبيعي من احتمال تراجع أسعار النفط العالمية بسبب تراجع أسعار الخامات الأمريكية.
وليس من المستبعد أن نرى تراجعا لأسعار النفط العالمية خلال الأعوام القليلة المقبلة، إذا تمكنت الشركات الأمريكية من خفض تكلفة إنتاج النفط من المصادر غير التقليدية. من جهةٍ أخرى يحد منع الولايات المتحدة لتصدير النفط الخام من سرعة تأثر الأسواق العالمية بتقلبات أسعار النفط الأمريكية، ولهذا فإن صدور تشريع يسمح بتصدير النفط الخام من الولايات المتحدة سيؤدي إلى التأثير بشكل سلبي في أسعار النفط الخام العالمية.
تعليقات