تقي يكتب : قبل أن تسقط 'الطوفة' !

زاوية الكتاب

كتب 829 مشاهدات 0




قبل أن تسقط 'الطوفة' !

بخفة الدم المصرية المعروفة ما تزال كلمة صديقي (مدثر) راسخة في ذهني منذ أكثر من 12 سنة 'بقى أسافر تمنتلاف (8000) كيلومتر علشان أنظفلهم المدرسة؟'، كان ذلك في عام 2001 خلال مشاركتي ضمن وفد لوزارة التربية ممثلا عن الكويت في المعسكر الدولي للشباب تحت شعار (متطوع للحياة وحياة للتطوع) في كوريا الجنوبية. نعم قمنا بتنظيف مدرسة أطفال بمنطقة نائية وطلاء مبناها إضافة للمساهمة في بناء سور كجزء من محمية طبيعية ﻷحد المستنقعات الكبيرة في تلك المنطقة. صحيح أنها كانت رحلة شاقة ومتعبة لكنها فتحت لي آفاقا واسعة في معنى وأهمية العمل التطوعي لبناء المجتمع والحضارة الإنسانية. وعندما انتقلت للدراسة في بريطانيا لمست هذا الاهتمام بالعمل التطوعي من قبل الشباب والطلبة بإقبالهم على الأنشطة التطوعية التي تقدمها عشرات المؤسسات والجمعيات. وقد أوردت صحيفة الغادريان مؤخرا أن عدد المتطوعين في المنظمة الوطنية للعناية بالتراث والطبيعة بلغ حوالي 70ألف خلال العقد اﻷخير بزيادة حوالي 40ألف عن العقد الذي سبقه، علما بأن هؤلاء المتطوعين لا يتقاضون (بنسا) واحدا نظير خدماتهم.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، أين موقع العمل التطوعي من خارطة المجتمع الكويتي؟ لا أمتلك أرقام واضحة لكن الواقع يقول بأن هذه الثقافة تقع في الأطراف النائية من ثقافتنا المجتمعية. فالاعتقاد السائد بأننا شعب 'ربادي' أو اتكالي ليس وليد الصدفة ولا هو 'تبلي' على الكويتيين. فعندما ترى موظف يتقاضى راتب محترم لقاء عمله الذي لا يتجاوز السبع ساعات يوميا لقضاء مصالح الناس يقضي ما يقارب من نصفها بين 'القرقة' و'الحش' وتويتر والانستغرام، كيف لك أن تتوسم فيه خيرا ليستقطع من وقته وجهده الخاص لتقديم خدمة للمجتمع ب'بلاش'؟ ورغم المحاولات الجادة لبعض الأفراد والمؤسسات لنشر هذه الثقافة والقيام بالمبادرات فإنها سرعان ما تصطدم بجو الإحباط و'تكسير المجاديف' سواء من الحكومة أو المجتمع نفسه. بل المصيبة إنه حتى العمل التطوعي الذي يعد من أرقى أنواع الخدمة بات أسيرا للاعتبارات المذهبية أو العائلية أو العرقية في مجتمعنا. فلكي تجد من 'يلقيك وجه' ويهتم بمشروعك التطوعي فعليك أن تتمتع بصفات معينة لا دخل لها بنوع العمل المراد تقديمه أو القدرات التي تؤهلك للقيام به سوى ما ذكرته آنفا. فنحن كثيرا ما نعيب على الحكومة ضعفها وغياب رؤيتها وإهمالها تنفيذ المشاريع الحيوية، وهو لا شك السبب الرئيسي في تردي وضعنا وتنميتنا، لكن الاتكال على الحكومة في كل شاردة وواردة سبب مهم آخر لما وصلنا إليه، لا سيما أن محور تعاملات فئات الشعب مع بعضها بات مبدأ 'اللي مو على دينك ما يعينك'، وبهذه الروحية لا يمكن أن نتوسم الخير لوطننا مهما ارتفعت الأصوات المطالبة بالإصلاح.

في الخامس من ديسمبر يحتفل العالم ب(يوم التطوع العالمي) وما قدمته الجهات والمنظمات التطوعية من شموع أضاءت سبل الحضارة الإنسانية، فلتكن فرصة لإشاعة ثقافة التطوع بيننا والعمل لإحياء المجتمع بمختلف مجالاته بدل لعن الظلام صباحا ومساء، فلا خير في شعب يأكل ويمسح يده 'بالطوفة' ﻷنها ما إن تمتﻷ بالقاذورات حتى تسقط على رؤوس الجميع. فهل نبقي 'طوفتنا' نظيفة؟

د. عبدالله تقي - طبيب كويتي

الآن - رأي / د.عبدالله تقي

تعليقات

اكتب تعليقك