عن صغائر الأمور وثلاثية العدل والصبر والإرادة.. تكتب فاطمة البكر

زاوية الكتاب

كتب 510 مشاهدات 0


القبس

وهج الأفكار  /  حتى لا نستصغر بـ'الصغائر' من أمورنا!

فاطمة عثمان البكر

 

• إن كل أمر صغير قد يكون كبيراً في فعله وتأثيره، وينبغي ألا نعتني بالأمور الظاهرة الكبيرة فقط.

خلق الله هذا الكون الفسيح الرحب، فأبدع بحكمة مطلقة وقدرة لا محدودة خلق السموات والأرض وما بينهما، وخلق الإنسان، ولم يأت هذا الإنسان إلا خليفة لله على هذه الأرض ليعمرها بالخير والحق والعدل والجمال، وسخّر له البر والبحر والسماء، وحمّله «الأمانة» التي عجزت عن حملها السماوات والأرض، وحملها الإنسان. ولم تكن حواسه من سمع وبصر إلا شواهد، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

نعيش في هذا الكوكب، نصول ونجول، وتعيش معنا كواكب ومجرات أخرى، مخلوقات تدور في فلك تلك الحقيقة الخالدة، كائنات لها وجود مرئي ومحسوس، وأخرى لا نعلم عنها تسبح في فضاء الكون البعيد.

منذ الصغر تملكتني الرغبة، وأخذني الفضول إلى استكشاف ومراقبة «عالم النمل»، تلك الكائنات الصغيرة الحجم، الكبيرة الفعل، كنت أراقبها وأنفق الساعات الطوال في كل زوايا «حوش» منزلنا الكبير القديم، أبقى ساعات وساعات وأنا واقفة مشدودة إلى هذا العالم المثير، وفي مرحلة الكبر بقي هذا الفضول مستمرّاً يلوح لي كلما قرأت كتاباً يشير إلى ذلك العالم الجميل، فمنه (النمل) نتعلم الصبر، والمحاولات، الفشل والنجاح، السعي والجهد، العيش الآمن حينما تعصف الأجواء، المساعدة والتعاون.. كل المُثل، التغلب على الأمور الصعبة مهما اشتدت وزادت صعوبتها، بالعمل والإرادة. منها نستلهم الحقائق الغائبة والحلول العاقلة، منها نتعلم بأنه ينبغي ألا نتهاون بالصغائر من أمورنا وفي محدودية قدرتنا، فالإرادة ذلك المارد الجبار، وبالصبر والإيمان، بألا نستهين بأمر يبدو لنا صغيراً، ونكتشف أن هذا الأمر الصغير قد يكون تأثيره كبيراً رغم صغر تأثيره ومحدوديته، وألا نبالغ في الأمور العاجلة الكبيرة، فقد تكون فقاعات تتطاير في الهواء لا تترك أثراً أو تؤثر في أمر تحس أثرها في زوالها، فقد تكون مجرد جعجعة أو فقاعات تتطاير في الهواء.

يُروى عن النبي الملك سليمان (عليه السلام) أنه كما نعلم كان يفهم لغة الحيوانات، وبينما كان يجلس على صخرة للاستراحة ليلحق به جنده قرب النهر، شاهد نملة تحمل في فمها طعاماً أو بقايا من طعام، ثم تختفي بين الصخور، وتعود مرة أخرى لإعادة الكرّة من دون كلل أو ملل، فعجب من أمرها، ثم تتبعها، فوجد أن هناك ضفدعة عمياء تختفي بين الصخور، وتلك النملة تحمل لها الطعام لتفتح فمها وتضع النملة الطعام فيه، ثم تعود مرة أخرى لتكرار الفعل نفسه.. من دون كلل أو ملل!

عالم مثير، عالم الحكمة الفطرية، منه نتعلم أن كل أمر صغير قد يكون كبيراً في فعله وتأثيره، فلننظر وننظر ونتعظ من بين الزوايا والثنايا والحنايا والخفايا، وألا نفتن بالأمور الظاهرة الكبيرة فقط، وألا ننبهر بالصور الساطعة والظواهر المجسمة فقط، فكل صغير قد يكون تأثيره أكبر بمؤثراته التي ترخي بظلالها على وجودنا، بالعدل والصبر والإرادة مهما بدا لنا صغيراً أو هزيلاً، أو متوارياً عن الأنظار!

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك