لو دامت لغيرك!... بقلم نواف العسكر
زاوية الكتابكتب ديسمبر 8, 2013, 1:40 م 924 مشاهدات 0
قضية إحالة كل من تجاوزت سنوات خدمته 30 عاما إلى التقاعد، من القضايا الهامة التي شغلت الرأي العام، كونها تمس شريحة عمالية كبيرة من قياديين وغيرهم ممن أمضو جُل عمرهم في العمل، واكتسبوا الخبرات التي كلفت الدولة الكثير من الأموال في الدورات التدريبية وغيرها لإعداد هذا الموظف ليكون قادرا على القيام بأعباء وظيفته المكلف بها وعندما نتحدث عن ذلك لا يعني أننا ضد الاحلال وتجديد الدماء وبث الحيوية في ادارات العمل المختلفة من خلال إعطاء الفرصة للكوادر الشابة في الترقي وتقلد المراكز القيادية بل هذا مطلبنا ومبتغانا خاصة وان هناك بعض من هذه القيادات ملت كراسيهم من طول بقائهم
ولكن ما نقصده هنا هو اتخاذ مثل هذه القرارات الهامة دون دراسة مدى تأثيرها على سير العمل من جهة وعلى الوضع الحياتي للمحال إلى التقاعد من جهة أخرى، فالقيادة والاشراف الإداري محورا هاما في أي مؤسسة حكومية واحلال القيادات العليا والوسطى يجب ان يتم وفق برنامج زمني مدروس وخطط تدريبية وخبرات ميدانية. والاستغناء عن عدد كبير من ذوي الخبرات بهذه الصورة سوف ينتج عنه فجوة كبيرة في مستوى الخدمات التي تقدمها مختلف ادارات الدولة، كذلك تداعياته السلبية على الظروف المعيشية والعائلية للعاملين نظرا لما سيخسرونه من مزايا وعلاوات كانوا يحصلون عليها وهم مستمرون في الخدمة.
واذا تحدثنا بلغة القانون نجد ان بعض الخبراء الدستوريين أقروا بعدم شرعية هذا القرار لتناقضه مع الدستور في نص المادتين )26 و 41(, واللتين أكدتا على ارتباط حماية وحقوق الموظف بالدولة, وعدم إنهاء خدمته الوظيفية بلا مبرر أو مسوغ قانوني، وهذا يعني عدم جواز إرغام الموظف على ترك وظيفته دون رغبة منه, إلا إذا كان هناك سبب قانوني مثل الفصل التأديبي في حال إذا تسبب الموظف في أضرار جسيمة بالمرفق العام أو إذا كان كثير المشكلات, او كانت حالته الصحية لا تسمح له القيام بمهام عمله, أو عند بلوغه سن التقاعد وليس وصول سنوات خدمته 30 عاما، فلا يمكن اعتباره سندا لاتخاذ هذا القرار طالما كان هذا الموظف قادرا على أداء عمله الوظيفي بصورة صحيحة.
مجلس الوزراء استند فى تطبيق هذه السياسة الى المادة 76 من نظام الخدمة المدنية والتى نصت على انه يجوز احالة الموظف الى التقاعد بشرط ان يكون مستحقا لمعاش تقاعدى فيما لو انتهت خدمته بالاستقالة وقت الاحالة، وتكون الاحالة الى التقاعد بقرار من الوزير فيما عدا شاغلى مجموعة الوظائف القيادية فتكون بقرار من مجلس الخدمة المدنية بناء على اقتراح الوزير.
فهذا النص جعل الاحالة الى التقاعد امرا جوازيا وليس ملزما بالنسبة للجهات الحكومية، فهذا الاجراء هو استثنائى قد تلجأ الية الادارة فى حالة الضرورة القصوى، لا ينبغى التوسع فى استعماله لان فى ذلك تعدى على حق المواطن فى ممارسة عمله، وان فى اجبار الموظف على ترك وظيفته هو اعتداء على حريته ويعد مناقضا لأحكام الدستور والقوانين مما يفتح الباب واسعا أمام المتضريين من هذا القرار نحو الاتجاه إلى القضاء وهذا ما حدث بالفعل فهناك العديد من القضايا المنظورة الان امام المحاكم حول هذا الموضوع، فماذا سيكون الحال اذا أقر القضاء حق هؤلاء في العودة إلى أعمالهم.
لذلك نأمل أن تسير عملية التجديد والاحلال بصورة تدريجية، من خلال إعطاء مكافأة مالية تشجيعية لمن تجاوزوا الثلاثين سنة في الخدمة، على ان يكون قرار التقاعد متعلقا برغبة الموظف نفسه في ترك الوظيفة منعا للتعسف في استخدام السلطة.
ونقول لمن يرغب في التقاعد، كفيت ووفيت، وهذه سنة الحياة، ونقولها بكل صدق: «لو دامت لغيرك... ما وصلت إليك» ويجب افساح المجال أمام الجيل الجديد ليأخذ فرصته كاملة في تطوير آليات وأداء العمل بما يتناسب مع التطور التكنولوجي.
تعليقات