موضة استحضار الماضي!.. بقلم صالح الشايجي
زاوية الكتابكتب فبراير 17, 2014, 12:12 ص 1030 مشاهدات 0
الأنباء
بلا قناع / الموت الإيجابي
صالح الشايجي
لا أدري إن كانت هي خاصيّة خليجية أم أنها كويتية فقط، فلا الخليجيون يشاركوننا فيها ولا بقية العرب.
أقصد بتلك الخاصية انسحاب البعض منّا ـ وبالذات بين الشبان ومن زادهم بالعمر قليلا ـ إلى الماضي والذوبان فيه وبمتعلقاته من عادات وكلمات ومأكل وحتى المسكن يحاولون ما استطاعوا استحضاره في حياتهم الجديدة.
في تفسيري الخاص ـ ولا ألزم أحدا بالاتفاق معي عليه ـ أن هذا نوع من البطر ناتج عن زيادة الترف والرفاهية في حياة الكويتيين، تعينهم عليهما زيادة الدخل النسبية وكثرة المال في أيديهم والتي تتيح لهم تحقيق متطلباتهم المعيشية والرفاهية الزائدة، ما يجعل اكتمال احتياجاتهم ينطوي على نوع من الملل الذي يدفعهم لإبداء نوع من التبرم غير المباشر من أنماط حياتهم، وهو الأمر الذي يؤدي بهم إلى استحضار الماضي الذي لم يعيشوه بالأساس ولكنهم سمعوا عنه وكأنّما أصابتهم لوعة لأنهم لم يعيشوه فعلا وواقعا فلذلك هم يعوضون ذلك الفقدان بالتمثل بالماضي واستحضاره.
ولعل أبرز صور التعلق بالماضي الكويتي لدى الأجيال الجديدة من الكويتيين هو موضوع اللهجة الكويتية القديمة التي تشهد تزاحما على أبوابها ومبارزات بين بعض أبناء الجيل الحالي لاستحضار مفرداتها المجهولة والميتة بفعل التقادم وتغيّر التركيبة السكانية الكويتية والتفاعل مع الحياة الجديدة.
يحاولون إحياء كلمات ميتة ومعرفة جذورها اللغوية أو معناها ومن أين جاءت، ويجتهدون في ذلك ما استطاعوا إليه سبيلا، وكل منهم يترنم بمواله وينثر حججه وبراهينه على أنه الأدق والأصدق في معرفة أصل هذه الكلمة وفصلها ومن أيّ وادٍ جاءت ومن أي رحمٍ ولدت.
ولست ضد هذا الاجتهاد المطلوب إذا ما خاضه أهل العلم والدراية والاختصاص، كما فعل بعض أدبائنا وباحثينا ولغويّينا والذين اجتهدوا في ذلك الباب جهدا مطلوبا ومشكورا من أجل التأصيل والمعرفة، لا من أجل إحياء الميت واستعادة الماضي والخوف على اللهجة من الاندثار، كما هو الأمر لدى البعض ممّن أتحدّث عنهم من أبناء الجيل الحالي والذين ربما لم يدركوا أن من طبيعة اللغات الاندثار والموت الإيجابي غير المأسوف عليه لأنه يدل على حيوية أهل هذه اللغة وتفاعلهم مع الحياة والإبداع والابتداع فيها، وهو الأمر الذي حدث مع اللغة العربية التي نزعت عنها أثوابها القديمة البالية وارتدت لكل عصر زيّه المناسب، وهذا ما حافظ على بقائها حيّة في الألسن.
تعليقات