السعودية والصين.. المصالح المشتركة .. بقلم علي العنزي
الاقتصاد الآنمارس 23, 2014, 9:17 ص 2399 مشاهدات 0
اكتسبت زيارة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز للصين أهمية قصوى، إذ جاءت في توقيت مهم وحساس بالنسبة إلى المنطقة، إن لم يكن على المستوى العالمي، لأهمية البلدين على الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية، فاقتصاد الصين سجل خلال عام 2013 نمواً بنسبة 7.7 في المئة، لتبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي 9.31 تريليونات دولار، كما قدرت نسبة نمو الاقتصاد بـ7.7 في المئة في الربع الرابع من 2013، وسجل الناتج الصناعي في الصين خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي زيادة بنسبة 9.7 في المئة، وقد أزاحت اليابانَ منذ عامين لتصبح ثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، مع توقعات من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن تحتل الصين المركز الأول كأكبر اقتصاد في العالم في عام 2016، متفوقةً على الولايات المتحدة، مع استمرار نموها الاقتصادي.
وذكرت المنظمة من خلال تقرير نقلته صحيفة 'تلغراف' البريطانية، أظهرت فيه انتعاش الاقتصاد الصيني، كما أنها تستهلك من النفط نحو 10 ملايين برميل يومياً، أظهرتها بيانات ديسمبر الماضي، وهو ما يعزز أن هناك طلباً متزايداً لاستهلاك النفط في المستقبل، بسبب زيادة حجم الإنتاج والنمو الاقتصادي المستمر. كما أن هناك توقعات من بعض المجلات الاقتصادية المتخصصة مثل «الإيكو نومست» بأن يحتل الاقتصاد الصيني الصدارة العالمية بحلول عام 2019.
أما السعودية فهي أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، ولديها فائض مالي كبير، وهي من ضمن مجموعة العشرين الاقتصادية في العالم، ولذلك التوجه للأسواق الصينية من ناحية بناء الشراكات أمر حتمي وحيوي واستراتيجي بالنسبة إلى السعودية، إضافة إلى الثقلين الديني والسياسي في العالمين العربي والإسلامي، ولذلك بدأت بالاستثمار في الصين وبناء علاقات اقتصادية كبيرة، سواء في البتروكيماويات من خلال 'سابك' أم مجال النفط من خلال 'أرامكو'، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالى 40 بليون دولار، وهناك محاولات حثيثة لزيادته، فمنحت المملكة في عام 2004 امتياز تنقيب عن الغاز لشركة 'سينوبك' الصينية، في صحراء الربع الخالي، كما تشترك 'أرامكو' السعودية في ملكية 20 في المئة من رأسمال الشركة الجديدة التي أُنشئت لهذا الغرض، وكذلك اشتركت 'أرامكو' مع 'سينوبك' الصينية في تموز (يوليو) عام 2005 في ملكية 45 في المئة من مصفاة صغيرة للنفط في شمال شرق الصين، وتطورت المشاركة الاستراتيجية الضخمة بين الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) بالتحالف مناصفةً مع الشركة الصينية للنفط والكيماويات (سينوبك) اللتين قررتا تشييد أكبر مجمع صناعي مشترك في تيانجين بالصين بكلفة 1.7 بليون دولار وبطاقة إنتاجية تبلغ مليون طن متري سنوياً من البولي إثيلين وجلايكول الإثيلين اللذين تتزعم 'سابك' إنتاجيتهما في العالم.
كما أن الجانب الثقافي كان من ضمن استراتيجيات المملكة في الصين، إذ ابتعثت المملكة أكثر من 1300 طالب إلى الصين، للدراسة في مختلف التخصصات، تماشياً مع توجهاتها بتنويع مصادر المعرفة واكتسابها، ونقلها إلى الوطن أياً كان مصدرها. لقد اتسمت العلاقات السياسية بين المملكة والصين بالنمو الهادئ والمتزن، منذ أن تم تبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلدين في عام 1990، فالصين عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ولها نفوذها وثقلها الدولي، وهي قوة اقتصادية صاعدة، بل ستتفوق في القريب العاجل على نظرائها في الشرق والغرب، وبدأت هذه العلاقات تتعزز منذ زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى الصين في 22 كانون الثاني (يناير) 2006، إذ كانت أول زيارة يقوم بها عاهل سعودي إلى الصين، وضم الوفد عدداً كبيراً من المسؤولين السعوديين ورجال الأعمال ونحو 20 مثقفاً وصحافياً سعودياً، وهو ما يعطي أهمية كبيرة لتلك الزيارة من القيادتين السعودية والصينية، وتأتي زيارة ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز استكمالاً للاستراتيجية السعودية مع الصين، وهو ما يؤكد للمراقبين والمحللين أن التوجه شرقاً لم يأتِ من فراغ، ولذلك ما تقوم به السعودية استراتيجية وليس تكتيكاً موقتاً، الغرض منه إرسال رسالة لطرفٍ ما، فالسعودية دولة فاعلة في المنطقة وفي كل المجالات، لذلك من الطبيعي أن تبني استراتيجياتها وفق مصالحها، فقيادة هذه البلاد ومنذ بداية هذا العقد بدأت رسم استراتيجيتها وتنويع خياراتها وفي المجالات كافة بما يحقق أهدافها، ولن تكون هذه الاستراتيجية للنيل من أحد أو إلغاء الشراكة مع أحد، فالسعودية دائماً ترسم سياساتها على أساس المصالح المشتركة، وبما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الدولي.
دائماً في السياسة يمتاز البريطانيون بالدهاء والمكر والحسابات الدقيقة، لذلك نشرت وسائل الإعلام أن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون - وبعد زيارة قصيرة للصين في ديسمبر الماضي - حث الجهات التعليمية في بريطانيا على تعلم الطلبة اللغة الصينية بدلاً من تعلم اللغات الأخرى كالفرنسية والألمانية، لأنه يعتقد بأن المستقبل سيكون لآسيا، فوضع المجلس الثقافي البريطاني الخطط لابتعاث 50 ألف معلم، لتعلم اللغة الصينية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة ضمن برنامج وطني لتدريبهم على اللغة الصينية، وهو ما يذكرني بكلام أحد المسؤولين الصينيين خلال لقائه بعض أعضاء مجلس الشورى السعودي، بقوله: 'علِّموا أبناءكم اللغة الصينية، فسوق العمل ستكون صينية بعد فترة'.
تعليقات