خالد المضاحكة يكتب .. في ذكرى وفاة العفاسي
زاوية الكتابكتب مايو 5, 2014, 6:15 م 1193 مشاهدات 0
لايبقى للمرء بعد لقاء ربه إلا ماحوته صحائفه من أعمالٍ سُجلت له أو عليه، ومع فناء الجسد ورحيل صاحبه تصبح الفرصة سانحةً والمجال أرحب للتفتيش عن مآثرهم ومناقبهم ، إذ لامجال بعد الموت للرياء أو المداهنة، ولايكون للراحل إلا ماسعى، وهانحن اليوم نقف أوفياء للفارس الذي غادر دنيانا قبل عام، نتذكره ونترحم عليه.
.... اثنى عشر شهراً كأنها الدهر مرت ، تتعاقب فيها الأيام وتتوالى فيها الشواهد ، حاملةً لوعةً ومرارة لفراق الدكتور محمد العفاسي، فقبل عام شيعنا جثمان الرجل إلى مثواه الأخير في مشهد مهيب ، قل تكراره ، إلا لأولئك الذين عاشوا حياةً زاخرةً بحب الله والناس.
شيعنا الجسد لكن بقيت سيرته بيننا عطرةً فواحٌ مسكها ، لاتكاد تنعقد ديوانيةٌ أو يجمع الرجال منتدىً إلا وكانت مآثره حاضرةً كمصدرٍدائمٍ للفخر والاعتزاز ، شهد له القاصي والداني بطيب الخصال وجليل الأعمال، لِمَ لا وقد حفر طريقه بين الصعاب منذ نعومة أظفاره ورسم بمواقفه صورةً زاهية للفارس الكويتي النبيل ، الذي يقتدي به الرجال ، وتفخر به الأوطان.
لايمكنك أن تتجاوز الذكرى دون أن تتذكر وطنية الراحل وشجاعته التي سطرها ببسالته على جبهة قتال العدو الصهيوني في حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر بسيناء، جنباً إلى جنب مع أقرانه من شجعان الجيش المصري آنذاك، ليسطر بذلك سجلاً حافلاً من البطولة والإقدام تُوجت بحرب التحرير ضد الغزو العراقي الغاشم، ليتقلد بعدها أرفع الأوسمة ويتشح بحب وتقدير أبناء وطنه.
لم تكن الطريق ممهدة أمام الراحل ليرسم مستقبله، بل شق طريقه رغم شظف العيش وصعوبة الحياة التي بدأها جندياً صغيراً في الجيش الكويتي ، لكن مثابرته ودأبه وحرصه على العلم رفعته عالياً ومنحته بطاقة التميز التي ينبغي على شبابنا أن يستلهم منها الدرس والعبرة ، فقد أصر د. العفاسي رحمه الله على استكمال دراسته الجامعية ومن بعدها الماجستير والدكتوراه متحدياً كل المعوقات والصعاب ليكون مثالاً يُحتذى للرجل العصامي الطموح.
رحم الله العفاسي الذي لم يسع يوماً لمنصب، لكن المنصب هو الذي سعى إليه فلبى نداء وطنه دون تردد ، وصادف اختياره لتولي حقيبة وزارة الشئون حسن تقدير ، فسرعان ماصبغ الوزارة بانضباطه العسكري ، وخطط لها بعقلية رجل القانون ، وزين رأسها بعدالة القاضي ، فلايختلف اثنان على ماشهدته الوزارة في عهده من إنجازات وإصلاحات لايكفي المقال لتفنيدها ، لكن يكفينا أن نذكر منها إقرار أهم قانونين وهما العمل في القطاع الأهلي والمعاقين ، وإنصافه بعدالته للعمالة الوافدة ، وبإنسانيته كافح الإتجار بالبشر ، وبضمير القاضي الحقوقي حاصر تجار الإقامات ، وأسقط مئات الشركات الوهمية ، وساهم بخبرته في إعداد مشروعات قوانين للجمعيات التعاونية والحضانة العائلية والخاصة.
دخل الوزارة وخرج منها بصحيفةٍ بيضاء، لم يسع يوماً لتمكين الأهل والأحباب من المناصب القيادية ، ودشن حملةَ تطهيرٍ لاحق فيها مجالس إدارات بعض الجمعيات ، ولعل مما يحسب له إحالته أعضاء جمعية صباح الناصر للتحقيق رغم قرابة أعضائها لهم إذ كانوا من أبناء عمومته!!
لاأستطيع التوقف قبل تكرار ماذكره أحدهم سلفاً عندما ذكرنا بموقف العفاسي حينما دُعِيَ إلى العشاء مع رئيس الوزراء آنذاك لكنه اعتذر وكان سبب اعتذاره تلبية دعوة مواطنٍ بسيط صادفت دعوة رئيس الوزراء !!
ولايمكننا أن نرصد لهث ألسنة النساء وأكفهن المرفوعة تدعو للرجل الذي كان أول من اقترح مساعدةً مالية للكويتيات البالغات سن الستين، في لمحةٍ ذات دلالة ووفاء للأم الكويتية تجسيداً لانتصاره للمرأة وحقوقها في المجتمعات الشرقية.
نشهدك ياربنا أننا عرفناه صائماً قائماً عابداً أميناً مخلصاً ، يصدع بالحق لايخشى في الله لومة لائم ، لاتفارقه الابتسامة الأبوية الحانية ، ولاينقصه صرامة الجاد المثابر ، لذا أحببناه ، وتحجرت العبرات في مقلتينا اليوم ونحن نتذكره .. ولانقول إلا مايرضي ربنا : 'إنا لله وإنا إليه راجعون'
تعليقات