عن أدب الخليج والضيق بالاختلاف!.. يكتب خليل حيدر
زاوية الكتابكتب مايو 13, 2014, 12:56 ص 699 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / أدب الخليج.. والضيق بالاختلاف!
خليل علي حيدر
وقعت خلال الأسبوعين الأخيرين ظاهرة ثقافية لا تتكرر دائماً في مجال الندوات الثقافية، حيث تتابعت ندوتان، خلال اسبوعين، حول «الرواية الخليجية» احداها، «ندوة الرواية الخليجية بين التأسيس والتجربة»، في كلية الآداب بكيفان 2014/5/1-4/30، والثانية «ملتقى السرد الخليجي الثاني» ما بين 8-6 مايو 2014.. في فندق الريجنسي.
ومثل هذه الندوات مفيدة بلا شك حيث تتيح الفرصة للتعارف الشخصي بين الأدباء وتبادل الخبرات وتلاقي الأجيال، وتوفر المجال للتعرف على المصطلحات الجديدة والأعمال الابداعية واسماء الكتاب والقصاصين الداخلين الى المجال وغير ذلك. غير انها في بعض المحاضرات تراها غارقة، مثل اي ندوة متخصصة، في همومها ومفاهيمها ومصطلحاتها وصراعاتها، بما لا يستفيد منها الا المتابع المتخصص، والقارئ المتابع للأعمال الأدبية الكويتية والخليجية.
ولقد أثرت على ضوء موضوعي الندوتين سؤالين ما زلت أبحث عن جواب لهما. فهل يشمل «الأدب الخليجي» كُتاب وأدباء مجلس التعاون وحدهم اي مواطني هذه الدول فقط أم يشمل اي عطاء أدبي لغير الخليجيين من مقيمين عرب وحتى آسيويين وأوروبيين؟ وقد نتساءل على المنوال نفسه، هل الأدب الذي يكتبه الاتراك في ألمانيا باللغة الألمانية، والجزائريون في فرنسا باللغة الفرنسية، المصريون في بريطانيا باللغة الانجليزية، تعد من آداب هذه اللغات وهذه الشعوب والثقافات الأوروبية، أم انها جزء من الأدب التركي والجزائري والمصري؟
وقد كتب ادباء المهجر اللبنانيون والسوريون في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية باللغة العربية الكثير من الشعر الرائع، والنثر الجميل، والأدب المبتكر. فهل هذا العطاء فرع من الأدب الأمريكي أو آداب الشعوب اللاتينية كالارجنتين والبرازيل، ام انه جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، كما فعلنا وتفاعلنا مع انتاجهم؟! وقد كتب جبران خليل جبران كتابه الشهير «النبي» باللغة الانجليزية، ولا يزال منذ عام 1923 يطبع في الولايات المتحدة وأوروبا باستمرار، وكذا بعض اعمال أدباء وأديبات مصر وشمال أفريقيا في أوروبا، فهل هم من أدباء العالم العربي أم أوروبا؟
غياب الاحتفاء بأدب المقيمين في دول الخليج العربية، من عرب وغيرهم، ربما كان من اسباب بعض ما يعانيه العطاء الأدبي الخليجي ابداعاً ونقداً، كما يتهمه النقاد. فهناك أعمال كثيرة تفتقر الى العمق والاصالة والجودة، وأحياناً حتى السلامة اللغوية. وهناك حساسية مفرطة تلمسها بوضوح في هذه الندوات وغيرها من اي نقد او اعتراض او حتى ابداء مأخذ حول بعض الأعمال. فسرعان ما تتم شخصنة النقد، وينشب العراك، ويتأصل الخصام. إن الأديب أو الروائي او الشاعر الكويتي او الخليجي يختلف بالطبع عن الطبيب والمهندس والتاجر، الذي لا بد للدولة أن تحمي مصالحه ونقابته أو تبعد عنه المنافسة الأجنبية. فالابداع الأدبي والعمل النقدي والثقافة عموماً نشاط انساني رفيع عابر لكل الحدود والشباك، والأدب الجيد هو الذي يدخل في منافسة شريفة مع غيره ويبقى في مجال الاهتمام والمتابعة وأولوية الاختيار.. والأصالة.
أما سؤالي الثاني، فيتصل بهذا السؤال مباشرة. فهل الأعمال الأدبية الكويتية والخليجية مقروءة على نطاق واسع في العالم العربي؟ وهل يتماهى القارئ العربي وينسجم ويتعاطف مع شخصيات هذه الروايات، أم ان هذه الأعمال تصور أساساً دنيا من الثراء والرفاهية ومستويات مادية لا تمت إليه بصلة؟
قد نكون في الواقع بحاجة الى أن ننظر الى الابداع الكويتي والخليجي من زاوية أكثر حيادية وأقل انحيازاً وأقسى حكماً. وما لم نفعل هذا فلن ننتج في اعتقادي أدباً واسع الانتشار.
المجاملة و«المواربة»، تقول الاستاذة «ليلاس سويدان» في صحيفة القبس، «آفة المثقف الكويتي». وتضيف: «لن تقرأ في الغالب رأياً صريحاً او تشهد مواجهة في نقاش، أو حواراً في موضوع يتعلق بالشأن الأدبي، ودوماً ستجد ان الجمل مواربة تحمل تلميحاً غير مباشر». هذا شيء، تضيف الكاتبة الصحافية، «لمسته شخصياً من خلال عملي في التحقيقات الثقافية والبحث عن اجابات عن بعض الاسئلة لدى المثقفين. غالباً ما كانت هناك مواربة في الاجابة، وما هو حديث جانبي ليس للنشر مع أنه قد يكون أهم مما يُنشر».
الناقد الزميل «فهد الهندال» يرى في التحقيق نفسه «أن آفة الأدب والثقافة عموماً اليوم المجاملة، بما تحمله من تجميل للسيئ وتشويه للحقيقة وعدم التصريح بها خوفاً على مصالح معينة قد تتضرر وتتعكر معها العلاقة مع صاحب المصلحة، لا سيما ان كانت مع اصحاب سلطة في الوسط الثقافي. ولعل مواقع التواصل الاجتماعي زادت من رقعة المجاملة بين المثقفين». الروائي عبدالوهاب الحمادي يقول عن ضغط البيئة الكويتية ودوام اتصال الناس ببعضها وصعوبة اطلاق اي حكم صريح على اي عمل أدبي، «تجعل المرء يدير لسانه تسع مرات في فمه قبل أن ينطق في العاشرة» (2013/10/27).
حساسية الأدباء العرب ازاء اي نقد، ظاهرة قديمة مألوفة. وهناك كتب عن «المعارك الأدبية»، لا أدري ان كانت هذه الظاهرة مألوفة في الثقافات الشرقية الأخرى، في تركيا وايران وباكستان مثلاً.. وفي آداب الغرب.
ومن المألوف في «معارك» النقد هذه السخرية من عاهة الشخص ان كان اعمى أو اعرج او غير وسيم، ومن اصله وفصله ان كان معروفاً أو حتى مجهولاً، أو انه يعاني من أي شيء، حيث يتحول كل هذا الى شهادات اثبات وقرائن ضد «المنقود» في المعارك الصحافية والأدبية. حتى عباس محمود العقاد عندما رد على د.عمر فروخ، قال ساخراً من اسمه «هذا الفروخ الجهول معلمنا نحن المتأدبين»، وانتقده عبدالله المشنوق، الوزير اللبناني الأسبق ومحرر جريدة «بيروت المساء»، فأشار العقاد في رده الى «حلوق المشانيق»، وبالطبع نال طه حسين من خصومه الكثير من النقد الشخصي اللاذع والهجوم الشرس.
يقول الاستاذ «وديع فلسطين» عن العقاد في الجزء الأول من كتابه عن اعلام عصره: بأن العقاد كان عنيداً في رأيه ولا يغيره مهما تغيرت الظروف «سألته ذات مرة: هل غير رأيه في الشاعر شوقي بعد كل هذه السنين؟ فأجاب: لم أغيره ولن أغيّره. لقد كان شوقي - برغم ارستقراطيته - رجلاً يفتقر الى الخُلُق، اذ كان يستأجر من يهاجمونني في الصحف عوضاً عن أن يبارزني بنفسه، وانا لا أفصل بين أدب الشخص وخلقه. ما دامت تلك هي صفاته، فهو يستحق كل ما كلته له من انتقادات بل أكثر منها».
تعليقات