هل سيقطع العلم أرزاق مفسري الأحلام؟!.. سؤال يطرحه ويجيب عنه خليل حيدر
زاوية الكتابكتب مايو 27, 2014, 12:42 ص 938 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / العلم.. يطارد الأحلام!
خليل علي حيدر
هل سيقطع العلم أرزاق مفسري الاحلام؟ وهل ستختفي برامج المفسرين وتفسيراتهم العجيبة من شاشات التلفاز، ومقالاتهم من الصحف، وكتبهم التي تحتل ركنا بارزا في المكتبات؟ يبدو ان شيئا من هذا القبيل على وشك الحدوث، فقد تحدثت الصحف أخيرا بأنه «بفضل اكتشاف جديد، اصبح بمقدور من يبحث عن نوم هادئ ان يطمئن وينسى الاحلام المزعجة». وذكرت دراسة نشرت بموقع دورية «Nature Neuro Scince» على الانترنت، قامت بها باحثة في احدى جامعات ألمانيا، ان توصيل تيار كهربائي الى الدماغ، يحفِّز «الحلم الواعي»، الذي يدرك خلاله الشخص انه يحلم، ويستطيع التحكم في سير الاحداث خلال حلمه. (الشرق الأوسط، 2014/5/13).
تُعِّرف الموسوعات، ومنها الموسوعة العربية الميسرة «الحلم» بأنه «نشاط ذهني في اثناء النوم، يحدث في شكل صور بصرية». وتضيف ان «فرويد»، عالم النفس الشهير، حاول دراسة الحلم وتفسيره من خلال ربطه بالتحليل النفسي. الا ان هذه المحاولات ينقصها «التحقيق العلمي بالطرق التجريبية الاحصائية الحديثة». وقام السوفييت ببعض الدراسات التجريبية المهمة مستعينين بالتنويم المغناطيسي، «وهذه الدراسات»، جاء في الموسوعة التي ظهرت لاول مرة عام 1965، «ترسم بداية الطريق الى البحث الموضوعي في الاحلام، ولكنها لم تتم بعد بما فيه الكفاية». وهذا ما تحاوله الباحثة الألمانية الآن فيما يبدو، فـ«هذه النتائج هي الاولى التي تظهر ان اطلاق موجات تحفيزية للدماغ، وفق تردد محدد يجعل الانسان قادرا على ادراك انه يحلم.
وقامت هذه الدراسة على دراسات معملية، استمتع خلالها متطوعون بأحلام واعية، وهو ما قالوه بعد الاستيقاظ من النوم، واظهر التخطيط الكهربي للدماغ ان هذه الاحلام كانت مصحوبة بنشاط كهربائي يطلق عليه موجات «غاما»، وهذه الموجات الدماغية تتصل بوظائف تنفيذية مثل مهارات التفكير العليا، وكذلك وعي المرء بحالته الذهنية، لكن لم يكن معلوما وجودها خلال مرحلة الحلم خلال النوم».
وتقول موسوعة انجليزية اننا جميعا عندما ننام نُجرب حالة متقطعة من الجنون We all intermittently experience insanity.
كما ان بعض احلامنا من الغرابة عن الوعي الطبيعي حتى ساد الاعتقاد بأن ارواحنا تغادر في الواقع اجسامنا اثناء النوم الى عالم آخر، وتم الاستدلال بالاحلام منذ القديم كنذر مستقبلية. وفي خمسينيات القرن العشرين، افتتح ناثانيل كليتمان Kleitman مع آخرين في شيكاغو، عصر الدراسة المختبرية للحلم.
وتنفي الموسوعة ما يتردد عن ان الحلم عبارة عن صور بصرية متتالية. وتقول ان الحلم تجربة معايشة الحياة في دنيا خيالية، حيث تقع الاشياء، والمشاعر يحس بها، ويتم خلالها الاخذ والعطاء بشكل عملي وبكل احاسيس اليقظة، بما في ذلك من كان فاقد البصر منذ الولادة الذين لا يرون في الحلم شيئا، كما ان مشاهد الحلم ملونة غالبا كما نراها في الحياة العادية، ولهذا ساد في العديد من ثقافات الشرق الادنى القديم والحضارات القديمة بما فيها الحضارة اليونانية واشعار هوميروس، الايمان بالاحلام كوسيلة للايحاء والتنبؤ.
(The Oxford Companion to The Mind,ed Richard L.Gregory, USA, 1987, p.201-203) اما «احلام اليقظة» فلا ترتبط طبعا بحالة النوم، و«تبدو لذلك متناقضة مع اسمها، اذ كيف تكون احلاما والحالم فيها يقظ؟ ثم انها تختلف عن الاحلام في طبيعتها اذ ليس فيها هلوسة، والحالم فيها لا يرى وانما هو يفكر، ويعرف انه لا يحلم كحلم النوم وانما هو يتصور ويتخيل». ويضيف د.عبدالمنعم الحفني في «المعجم الموسوعي للتحليل النفسي»، القاهرة 1995، ان احلام اليقظة تكثر في الطفولة وتختفي في سن النضج، او تلازم الفرد بقية حياته.. وربما سُميت احلام اليقظة باسمها لان مضمونها ليس اكثر من احلام، اي انها غير واقعية، وكثيرا ما يكون الاستغراق فيها نذيرا بأعراض هستيرية لا ترتبط بذكريات واقعية وانما اساسها التخيلات. وبعض احلام النوم ليست اكثر من تكرار لتخيلات احلام اليقظة.
للاحلام، تحليلا وتأويلا، اهمية كبرى في التحليل النفسي، بعيدا عن الشعوذة السائدة اليوم في وسائل الاعلام المختلفة. ولا احد بقادر على الاحاطة بالمخاطر والنتائج الناجمة عن التحكم في الاحلام او التسلط على العقل الانساني وحريته في ان يسبح في دنيا الاحلام، فربما كانت الاحلام الليلية واحلام اليقظة كذلك من اهم ادوات ومنابع الخيال والابتكار في تاريخ الانسان.
كان كتاب «تفسير الاحلام»، الصادر عام 1900، اهم مؤلفات فرويد بإجماع النقاد، ويعتبر اول معالجة علمية لموضوع الاحلام.
وجاء في الموسوعة نفسها ان فرويد كان قد بدأ تأليفه خلال الفترة التي توافر فيها على تحليل نفسه، والكتاب كما يقول فرويد يحوي اثمن الكشوف التي شاء حسن الطالع ان تكون من نصيبه، ويحاول في هذا الكتاب ان يصنع من تأويل الاحلام علما. ولكنه لما تناول احلامه هو نفسه، يقول د.الحفني، آثر فرويد ان يبدل فيها ويضمر حتى لا يكشف نفسه، ولم يطبع من الكتاب سوى ستمائة نسخة لا غير، ولم يلق الرواج الذي يستحقه، واقتضى الامر ليتم توزيع هذه النسخ البسيطة ثماني سنوات. غير ان الكتاب انتشر مع ازدياد الاهتمام بالتحليل النفسي، حيث بلغ عدد الطبعات في حياته ثماني طبعات، كانت اخرها في حياة فرويد سنة 1929. وكان العالم النمساوي الشهير يراجع المادة ويزيد عليها وينقص فيها ويلحق بها الهوامش والتذييلات باستمرار وعاد فرويد للكتابة في الاحلام ثماني مرات من حيث علاقتها بفن الرواية 1907، وبالابداع الادبي 1908 وبالاساطير 1913.
أسلوب فرويد في كتاب «تفسير الاحلام» متميز يستند الى التوثيق الكثير، ويقول انه فيما يبدو لابد ان يستشعر بعض التعاسة ليكتب بطريقة افضل. ويرجع اهتمام فرويد بالاحلام الى فترة مبكرة من حياته، وربما لمرحلة الصبا، وكان وقتها كثير الاحلام، ومحبا لتفسيرها، ولما بدأ يشتغل بالطب النفسي ذهب الى تسجيلها وبدأ يتجه الى تحليلها. ويؤكد فرويد انه ما من حلم يخلو من بعض الصلة بأحداث اليوم الذي انقضى، ومن دأب الاحلام انها تدمج معا الخبرات، ويذهب فرويد الى انه لا وجود اطلاقا لحافز حلمي مجرد من القيمة، ولا وجود لحلم بريء، اذا نحينا جانبا احلام الاطفال وبعض الاستجابات الحلمية القصيرة.
تعليقات