المطالبة بتحصين القضاء لا تعني عدم التعرض لأحكامه.. بنظر سليمان الخضاري

زاوية الكتاب

كتب 593 مشاهدات 0


الراي

فكر وسياسة  /  قضية دولة.. لا قضية سلطة!

د. سليمان الخضاري

 

في ما يخص قضية الساحة وما أثير في ساحة الإرادة قبل أيام من وجود شبهات تحويلات مالية ورشاوى، يحضرني ما نسب لنبي الله سليمان عندما اختصمت إليه سيدتان كلتاهما تنازعتا أمومتهما لأحد الأولاد، فما كان منه إلا أن اقترح أن يقسم الولد إلى قسمين تأخذ كلتاهما أحد القسمين، فكان أن قبلت بذلك الأم المزيفة، بينما كانت ردة فعل الأم الحقيقية هي التنازل للأخرى عن الولد كاملا وسليما وحيا، مؤثرة سلامة الولد رغم حرمانها منه على موته في مقابل حصولها على جزء منه، فحكم النبي سليمان بكونها الأم الحقيقية نظرا لسلوكها الذي يثبت ذلك وحكم أن يكون الولد لها دون الأخرى، فجرى في الأمثال مقولة «أفعل ما فعلته أم الولد» في معرض تنازل طرف ما عن جزء من حقه حرصا على الصالح العام والبعد عن الأنانية!

هذا المشهد بالذات هو ما يحضرني وأنا أرى البقية الباقية من أركان الدولة تتعرض للانهيار في معرض المماحكات والصراع السياسي بين الفرقاء في الكويت، فالأكيد هو عدم عصمة أي من السلطات الثلاث عن الأخطاء والسلبيات، إلا أن خصوصية القضاء كنقطة مرجعية ضامنة للسلم والاستقرار الأهلي تجعل من التعرض لهذه السلطة باتهامات خطيرة من الخطورة بمكان بحيث يؤدي لزعزعة الأسس التي ينبغي عدم المساس بها من أجل استقرار البلاد بشكل عام.

إن ما طالب به القائمون على فعالية الإرادة، ومن انساق معهم من تشكيل لجنة محايدة للنظر في الموضوع هو أمر لا نرى وجود أي مسوغ له حتى هذه اللحظة، وذلك لعدة أسباب أهمها أن مطالبة كهذه من شأنها المساس بالقضاء وفيها اعتراف ضمني بوجود احتمالية ما لصدق تلك الادعاءات المرسلة، وهو ما يدفع للتشكيك أساسا في أي حكم قد أصدره القضاء في أي موضوع منظور أمامه سابقا ناهيك عما يقوم القضاء بالتعامل معه حاليا، هذا إن تجاوزنا حقيقة أن مطالبة من هذا النوع تفترض في الأساس وجود صدقية ما لما تم عرضه من أوراق لم يستطع مروجوها رفع احتمالية صحتها وذلك لوجود الكثير من العوار والتناقضات الكثيرة التي تعتريها.

غني عن القول ان المطالبة بتحصين القضاء لا تعني أبدا عدم التعرض فنيا وقانونيا للأحكام الصادرة عن مؤسسة القضاء، وهو ما يتم فعلا عن طريق اختصام الأحكام القضائية أمام درجات التقاضي الثلاث، وشخصيا تأثرت كثيرا ببعض الأحكام القضائية التي أختلف معها والتي حرمتني وبعض الزملاء من بعض المراكز القانونية والإدارية التي نرى أحقيتنا فيها تماما، لكن قاعدة «أفعل ما فعلته أم الولد» كانت دائما ماثلة أمامي عند التعامل مع تلك الأحكام، فلم أملك إلا احترامها والتعامل معها بما يخدم المصلحة العامة، وكثيرون مثلي فعلو الشيء نفسه وأكثر.

إنها في النهاية أيها السادة قضية دولة ندافع عن استقرار ما تبقى منها..

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك