سعدية مفرح تكتب: التقوى ليست عمامة ولا لحية!
زاوية الكتابكتب يونيو 16, 2014, 1:28 ص 2870 مشاهدات 0
القبس
أسفار / التقوى ليست عمامة ولا لحية!
سعدية مفرح
ان يفهم بعض المسلمين شرح الآيات وأسباب نزولها، لا يعني أن هذا يعطيهم حصانة أمام الله أو أمام خلقه من المسلمين وغير المسلمين، تحول بينهم وبين الحساب على ما اقترفوا مما يمكن محاسبتهم عليه في الدنيا وفي الآخرة. ثم أن كون بعض المسلمين أكثر اطلاعا في علوم الدين وفقهه وأحكامه وتشريعاته وصغائره وكبائره، لا يجعلهم يتمتعون بمنزلة دينية أعلى من منازل غيرهم، ممن لا يضاهونهم في ما يعرفونه من أمور دينهم، أما المنزلة الدنيوية فلهم أن ينالوها في سياقها بالتأكيد.
هذا يعني أن مستوى التحصيل الديني أو العلمي لهؤلاء أو أولئك لا يضعهم في مرتبة الأكرم عند الله على الإطلاق. فالتقوى وحدها، بمعنى اللغوي والاصطلاحي الديني في سياق الشريعة الاسلامية وتعاليمها هي معيار المفاضلة بين المسلمين في الدين الاسلامي، وإليها أولاً يعود الحكم على الناس بينهم دينيا من قبل الله جل جلاله ومن قبل الآخرين أيضا. وبالتالي فلا معنى لما يضفيه بعض عامة الناس من هالات قدسية ومقدسة، في إطار التقوى تحديدا، على نفر من المسملين اجتهدوا في المعرفة الدينية وعلوم الشريعة والتفسير القرآني مهما بلغ هذا الاجتهاد. فالتوجيه الإلهي لنا، كمسلمين، واضح وجلي ولا مجال للنقاش فيه: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ».. أتقاكم.. أتقاكم فقط وليس أعلمكم مثلاً ولا أكثركم فقها، ولا أحفظكم للقرآن الكريم، ولا شيء مما يتميز به الفقهاء والعلماء والحفاظ عن غيرهم.
ذلك أن التقوى لا تتطلب كل هذا لتتحقق، فهي كما عرفها هؤلاء الفقهاء والعلماء أنفسهم خشية الله والخوف منه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. وعندما أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المسملين في خطبة الوداع أن «لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إلاَّ بِالتَّقْوَى»، فهذا يعني أنه توجيه نهائي وأخير بأهمية التقوى وحدها في المفاضلة، ليس بين الناس على صعيد الفروق الفردية والجمعية التي خلقهم الله عليها وحسب، بل أيضا على صعيد ما اكتسبوا بإراداتهم الحرة ورغباتهم الشخصية أيضا.
ولو كان العلم الشرعي أو الديني كافيا للمرء لدى الله من دون تقوى لما خاطب الله جل جلاله النبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم، نفسه بالقول القرآني: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِع الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً»، فهل بعد علم رسولنا الكريم الديني علم يوازيه أو يفوقه مثلا، حتى يتخذ منه صاحبه المفترض طريقا للفوز في أي مفاضلة بينه وبين الآخرين؟
هذا لا يعني بالتأكيد ان نبخس الفقهاء والعلماء حقوقهم، ولكنها حقوق بشرية فقط، أما من أوتي منهم العلم درجات فأمرهم في تقدير ذلك وأثره في نفوسهم كتقوى علمه عند الله.
وليس لهم أو لغيرهم أن يتركوا الآخرين يفهمون هذه النقطة، بشكل ملتبس، وفقا لأهوائهم، أهواء الناس أعني. وإن كان الناس لا يعلمون فإن هؤلاء الفقهاء وغيرهم من الدعاة والمشتغلين بالعلوم الدينية والشرعية يعلمون أو يفترض أنهم يعلمون! لكن ما نراه للأسف أن بعضا منهم يعلمون ويصمتون احتماء بهذا الوضع المزيف عن أي مساءلة شعبية لهم أمام الناس، واستفادة مما يوفره لهم هذا الغطاء، سواء أكان على شكل عمامة أم غترة بلا عقال أو لحية طويلة.. فهذا كله، كشكل، مما لا يدخل في باب التقوى ولا في تعريفها، بغض النظر عن مفهومها لدى العامة وفقا لما تعودوا عليه من شكل لمن يحسبونه من المتقين فقط. وبالتأكيد فإن هذا أيضا لا ينفي التقوى على الإطلاق ولا يتناقض معها، بل ينبغي أن ينسجم في سياقها، ويكون عونا للمرء على بلوغها أو علامة في الطريق إليها، إن صحت النوايا في ذلك.
قال تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم».. ذلك أن تقوى الله مرتبطة بالاستطاعة لا بالعلم الديني، وقال: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى».. التقوى.. نعم التقوى هي خير الزاد وليس الفقه بالدين أو بغيره. اللهم خذ بأيدينا للتزود بتقواك أولاً وأخيراً.
تعليقات