عبد الكريم دوخي يكتب.. التشوّف للبلاء…؟!!

زاوية الكتاب

كتب 824 مشاهدات 0


من أبرز الأسباب التي تجبر الناس على احترام ذوي الرأي انسجامهم مع ما يدعون إليه بفعلهم وقولهم وتحمّلهم عواقب ما يقولون إذا كان لابد من التحمّل واضطّر الإنسان لدفع ثمن قناعاته…وقد دلت الأدلة الشرعية على ذلك كقول الرسول ﷺ:(أعظم الجهاد كلمة حق 'عند' سلطان جائر)…ويقول ابن القيم:(أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض، مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه)…ولكن هناك أناس-وخصوصًا أدعياء النضال في تويتر-باتوا يتشوّفون للبلاء ويتطلعون للصدام دون حاجة ملحة لذلك…حتى وصل الحال ببعضهم إلى الإسفاف وقلّة الأدب مع رؤساء الدول لا لشيء ولكن ليستدعوا إلى أمن الدولة ويقال عنهم مناضلون وممن يدفعون ثمن قناعاتهم…والحقيقة أنها ليست قناعة بقدر ما هي مراهقة متأخرة يرجع سببها لأمور كثيرة أبرزها…أنهم يريدون الرد على من يعيب عليهم مفهومهم الضحل للنضال والذي لا يكلفهم سوى تغريدات تحت الهواء البارد من خلف أنواع الحلوى والشاي والقهوة…!

فيكون ردهم بالتطلّع للسجن والصدام من غير حاجة ملحة فُرضت عليهم…وأمّا السبب الآخر ويكثر عند ذوي التوجه الديني…أن كثيرا منهم بات يظن بأن صدق التديّن لا يتأتّى حتى يُنكّل بالمرء في سبيل الله-حسب ظنّه-ومبعث هذا الظن هو سوء الظن بالله…فبعضهم يستكثر على الله أن يعافيه في دينه ودنياه ويظن بأن المعافاة في الدنيا مضطردة مع نقص التديّن الذي يحبه الله سبحانه…!

وكلا الفريقين وقع في مخالفة شرعية صريحة وهي التشوّف للبلاء…فالشرع أمر المسلم بعدم التطّلع للبلاء الذي لا يطيقه كقول الرسول ﷺ:(لا ينبغِي للمؤمنِ أن يُذلّ نفسهُ قالوا : وكيف يذلّ نفسهُ ؟ قال : يتعرّضُ من البلاءِ لمَا لا يطيقُ)

وقوله ﷺ:(مَن سمعَ بالدَّجَّالِ فليَنْأَ عنهُ . فواللَّهِ إنَّ الرَّجلَ ليأتيهِ وَهوَ يحسَبُ أنَّهُ مؤمنٌ فيتَّبعُهُ ، ممَّا يبعثُ بِهِ منَ الشُّبُهات)…وقوله ﷺ في حديث الدجال ومقتل عيسى عليه السلام له:(إذ أوحى اللَّهُ إليهِ: يا عيسى إنِّي قد أخرَجتُ عبادًا لي، لا يَدانِ لأحَدٍ بقتالِهِم، وأحرِزْ عبادي إلى الطُّورِ)…فالمسلم مأمور بتجنب الفتن وعدم التعرض لما لا يطيق حتى لا يذل نفسه ويقع ضحية لاعتداده بنفسه…يقول ابن الجوزي رحمه الله:(من قارب الفتنة، بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر، وكل إلى نفسه…ورب نظرة لم تناظر…وأحق الأشياء بالضبط والقهر: اللسان والعين…فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة)…ويقول القرطبي رحمه الله في قوله تعالى ذاكرا قول موسى عليه السلام للقبطي{إنك لغوي مبين}

 (أي لأنك تشاد من لا تطيقه)…!

وجاء في فتح الباري عند شرحه لقوله ﷺ: [لا تتمنوا لقاء الهدو واسألوا الله العافية…الحديث]

(قال بن بطال حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن وقد قال الصديق'لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر'وقال غيره إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم)…!

فحمدالله على العافية واغتنام فضله وتيسيره لسبل الخير والصبر عند وقوع البلاء رجاء موعود الله دون التطلّع للبلاء أبرز ما يميّز المناضل عمّن يدّعي النضال بغير وجه…؟!!

الآن - رأي: عبدالكريم دوخي

تعليقات

اكتب تعليقك