يكتب عبد اللطيف الدعيج عن نماذج الإرهاب الأليف

زاوية الكتاب

كتب 436 مشاهدات 0


القبس

نماذج الإرهاب الأليف

عبد اللطيف الدعيج

 

بعد سنين من الممارسة الديموقراطية. وبعد تبني البعض طروحات النظام البرلماني الكامل والحكم الدستوري المطلق، بعد كل هذا لا يزال اغلب الساسة والمتعاطين في الشأن العام أسرى تعصبهم وميولهم البدائية التي لا تتفق على الاطلاق وما يطلقون من شعارات وما يتبنون من اهداف.

تعيين أحد نشطاء جماعة الحراك مؤخرا في منصب اداري رفيع اثار حفيظة اصدقائه من الحراك ذاته، في الوقت الذي اغاظ أيضا مؤيدي الحكومة والمعارضين لنشاط وطروحات المعارضين لها. الأصدقاء يعتبون او هم يتهمون صديقهم بالانحياز للحكومة او السلطة التي اشترته بالمنصب كما يبدو لهم. واعداؤه او المعارضون له ينتقدون الحكومة لأنها، وفقا لهم، تكافئ المسيء لها او للنظام، حسب تصورهم، وتهمل او هي تعاقب بالإهمال من ايدها وصفّ معها ضد معارضيها!

المفروض ان «معارضتنا»، او حراكهم بتعبير ادق، حراك ديموقراطي كما هو معلن. بمعنى انه يناضل ويجتهد ديموقراطيا، ووفقا للقوانين وتمسكا بدستور البلاد. كما انه حراك من داخل النظام، لإصلاحه، كما يدعي الجميع، وليس للانقلاب عليه. هذا يجعل من كل من تحرك او ساند الحراك مواطنا «صالحا»، وصالحا تعني انه لم يدن بجريمة مخلة بالآداب او الشرف حسب القوانين المرعية، تجعل منه مواطنا صالحا يمارس حقه الديموقراطي في التعبير والاختلاف مع السلطة ومع مؤسسات وسياسات النظام. تماما كما هو مواطن صالح أيضا من أيد الحكومة ومن عارض بشدة أصحاب الحراك وتصدى لنشاطهم. لهذا من حق المواطن الصالح، سواء كان معارضا او مواليا، ان يحتفظ بجميع حقوق المواطنة العامة وان يكون حظه في العمل والارتقاء هو نفس حظ بقية من يعادله من المواطنين. ولا اعلم لماذا يتوقع أصدقاء الناشط المعارض منه ان يتخلى عن حقوق المواطنة لتأكيد وتنزيه معارضته. في الوقت ذاته أجد الاستجداء وحتى الانتهازية في من يطالب بثمن لقاء موقفه «الوطني» في مساندة السلطة.

الاغرب من كل هذا ان المعترضين على تعيين «المواطن الصالح» هم من نواب مجلس الامة. وهذا وضع أكثر من مؤسف، ليس لأنه يشجع السلطة او بالأحرى يدفع بها لممارسة التعسف فقط. بل لأنه يمهد لمصادرة والاعتداء على الحقوق الديموقراطية والدستورية للمواطنين. هذا مع الأسف موقف جماعة الحراك نفسه عندما طالبوا واجبروا الحكومة على اضطهاد المؤسسات الإعلامية بحجة انها اعلام فاسد.

ان الطرفين هنا، أصدقاء الناشط ومؤيدي الحكومة، يمارسان الإرهاب عليه. فهو مطالب بان يتخلى عن حقوقه وحتى ان يحرم الوطن من خبراته لإثبات اخلاصه للمعارضة. في الوقت ذاته الذي يعاقبه نواب الامة من مؤيدي الحكومة، لا لشيء، إلا لأنه عارض انتخابهم على الصوت الواحد!.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك