عن أقدم مريض في العالم!.. يكتب خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 653 مشاهدات 0


الوطن أفكار وأضواء / أقدم مريض في العالم خليل علي حيدر كيف يمكن لأي متحف ان يعرض بشكل لائق كل ما في خزائن وسراديب مصر من آثار الحضارة الفرعونية، احدى اعظم حضارات العالم وأقدمها؟ وما المبنى القادر على أن يعكس مكانة وروعة وابهة تلك المدينة العريقة التي خلبت الالباب عبر العصور، ولا يزال المصريون يكتشفون المزيد من آثارها، من مختلف الاحجام والانواع، وبكميات لا تصدق، كلما حفروا لاي مشروع، او باشروا اي بناء؟ مصر منذ فترة، في سباق مع الزمن لانجاز «المتحف الكبير» تحت سفح اهرامات الجيزة، احدى عجائب ومعجزات الدنيا السبع، والذي تقول عنه الصحافة انه «المتحف الذي سيضم اثارها وكنوزها الحضارية المتنوعة على مر التاريخ، ويعد اكبر المتاحف الاثرية في العالم». (الشرق الأوسط، 2014/8/16). ويعقد المصريون آمالاً عريضة على استكمال بناء هذا المتحف في مجال تنشيط وانعاش السياحة، حيث طالب رئيس الوزراء بوضع تصور كامل عن كيفية التسويق للمشروع عالميا، لوضعه في قائمة المزارات السياحية العالمية. وقد عرض وزير الآثار تقريرا حول مراحل تنفيذ مشروع المتحف المصري الكبير جاء فيه ان مساحته 117 فدانا، والفدان يساوي 4200 متر مربع، ويتميز المتحف بموقع يطل على اهرامات الجيزة، وسيكون من اهم متاحف العالم، تقول التقارير ان زائريه سيكونون ما بين 5 الى 8 ملايين زائر سنويا. كشف وزير السياحة عن ان العمل في المتحف يعاني من البطء بسبب نقص التمويل، مرجحا ان يكون افتتاحه مع نهاية عام 2017، في حين كان الوزير السابق، د.محمد ابراهيم قد صرح عدة مرات «ان الموعد الذي حددته الوزارة للانتهاء من المتحف المصري الكبير في 2015 يعد موعدا نهائيا لا رجعة فيه، مؤكدا ان الاعمال والانشاءات ومراحل الانشاء تسير وفق الخطة الموضوعة والمدى الزمني المحدد». ويقول جمال القصاص، معد التقرير في الصحيفة، ان مصر اطلقت حملة لتمويل المشروع الذي تقدر تكلفته نحو 550 مليون دولار، حيث قدمت اليابان مساهمة خاصة بـ330 مليوناً كقرض ميسر، كما اقيم معرض للآثار المصرية في لوس انجلوس بالولايات المتحدة لجمع المال لدعم المشروع، تحت شعار «توت عنخ آمون والعصر الذهبي الفرعوني». ومن المقرر ان يضم المتحف الكبير اكثر من مائة الف قطعة اثرية من العصور الفرعونية والقبطية واليونانية والرومانية، اضافة الى ان باحة المدخل الرئيسي للمتحف سيتصدرها تمثال عملاق للفرعون رمسيس الثاني، أشهر ملوك مصر وقال احد المسؤولين انه تم الانتهاء من ترميم وتجهيز اكثر من نصف القطع الاثرية التي نقلت الى مخازن المتحف، كما تم تدريب 350 عاملا في 22 دورة تدريبية. ويقول تقرير آخر ان المشروع يبعد عن منطقة اهرامات الجيزة الاثرية بكيلو مترين فقط، «ورغم اهمية هذا الحدث، فان الرأي العام في مصر مشحون بقضايا السياسة، ولا يلتفت الى ما يدور في صحراء الاهرامات» (2013/5/2). وعن «آخر الآثار المصرية المكتشفة»، يقول د.حسين عبدالبصير، مدير مشروع المتحف الكبير، لصحيفة الشرق الأوسط، «ان للملك خوفو مركبين، الاولى تم اكتشافها عام 1954، وتم ترميمها، اما هذه المركب - الثانية التي اكتشفت قبل عام – فجسمها الرئيسي مازال تحت الأرض». وهي عبارة عن طبقات متعددة. واضاف: «نحن نعمل الآن في الطبقات السطحية للمركب، وبعد ذلك سيتم ترميمها ونقلها الى المتحف الكبير». ويقول عبدالستار حتيتة في تقريره في الصحيفة، ان المشروع يحظى باهتمام دول ومنظمات عالمية خاصة اليابان، «ولا يمضي اسبوع الا وتجد مجموعة من السفراء تتفقد اللمسات التاريخية للبناء المتحفي الاضخم». ولاتزال بانتظار العاملين في المشروع تحديات ضخمة خلال الاشهر المتبقية، وهي نقل القطع الاثرية العملاقة من مختلف مناطق جنوب مصر وشمالها الى موقع المتحف بالجيزة. والتمثال الوحيد الضخم الذي تم نقله بالفعل يعود للملك رمسيس الثاني، البالغ وزنه 83 طنا، جرى عام 2006، من وسط القاهرة الى منطقة المتحف الجديد. وقد تم اخلاء خط سير التمثال، حيث جرت العملية التي بلغت كلفتها نحو 6 ملايين جنيه بواسطة روافع عملاقة، وتم بث وقائعها عبر شاشات التلفزيون. ويقول الدكتور عبدالبصير «نعم.. هناك المزيد من القطع الاثرية التي يبلغ وزنها عشرات الاطنان، وسيكون نقلها خلال الفترة القادمة حدثا كبيرا في حد ذاته، خاصة انها ستنقل عبر مسافات طويلة، مشيرا الى ان «معظم القطع الاثرية الكبيرة ستنقل من مناطق مهمة مثل اسوان التي تبعد نحو 800 كيلومتر عن المتحف الجديد. ومن بين ما سيتم نقله تماثيل تخص ملوك مصر القديمة من بينهم الملك امنحتب الاول والملك احمس الثاني في جنوب البلاد، وتماثيل اخرى لرمسيس الثاني في صان الحجر بالدلتا شمالا. ويقول عالم الآثار المصري «زاهي حواس»، ان المتحف المصري الكبير «يحتوي قاعات للدرس والتدريب ومركزا اداريا على اعلى مستوى كنا نطمح في ان يكون منارة علمية ترفع من شأن العمل الاثري ليس في مصر وحدها.. وعندما كنت مسؤولا عن آثار مصر وضعت خطة متكاملة لتخريج الاثري والمرمم العربي بالمعايير العالمية من المتحف المصري الكبير». غير ان «حواس» اشار في المقال نفسه الى «موجة اليأس التي تزداد يوما بعد يوم من عدم قدرة مصر على استكمال وافتتاح المتحف المصري الكبير»، وطالب بـ«ضرورة فصل المتحف عن وزارة الآثار»، وتحويله الى مشروع مستقل ذاتي التمويل! (الشرق الاوسط، 2014/7/24). وتبحث الحكومة المصرية عن حلول جديدة ومبتكرة كذلك، لانقاذ «القاهرة التاريخية»، على رأسها 31 موقعا مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي. وقد تعرضت للاهمال، مثل اشياء كثيرة اخرى خلال السنوات الثلاث الماضية، مما عرض ما يزيد على 700 اثر مسجل للخطر. وقد شكل رئيس الحكومة مجموعة عمل تضم عشرة وزراء لوضع برامج عاجلة لحماية تراث «القاهرة التاريخية»، واخلاء المواقع الاثرية من الاشغالات واعادة توظيفها، ولا تزال ثمة معوقات في هذا المجال، وفي انجاز اعمال نظافة الاماكن الاثرية السياحية. والى جانب متحف الجيزة الكبير الذي تحدثنا عنه، والذي سيكلف 550 مليون دولار، هناك «متحف الحضارة المصرية» بمنطقة الفسطاط في مصر القديمة. ومن المقرر ان يستوعب المتحف 50 الف قطعة اثرية، الى جانب نماذج وصور فوتوغرافية ومخطوطات ولوحات زيتية وتحف فنية وآثار من العصر الحجري والفرعوني واليوناني والروماني والقبطي والعربي. لقد اعجب الرحالة دوماً بمدينة القاهرة، واعتبروها من أجمل وأعظم مدن الشرق، وقد لا يفوقها مدينة أخرى حتى مدينتا الاستانة ودمشق، التي قال الرحالة الفرنسي بواتو Poitou إنهما «لا تملكان سحر القاهرة». وقد أعطت القاهرة لشاتربريان إحساساً بأنها مدينة ألف ليلة وليلة وأنها عاصمة العالم، «فهي المدينة الوحيدة التي أعطتني فكرة وطابع الشرق». وقال عالم الآثار الفرنسي شامبليون «إنني أعشق تأمل مدينة الألف مئذنة، لقد حازت القاهرة إعجابي على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليها». ولكن الرحالة الفرنسيين في القرن التاسع عشر أشاروا إلى أن المدينة «تفتقر إلى النظام» وأنها «ضيقة ومظلمة»، كما وجدها فوربان Forbon «سيئة ومتربة»، وكتب ادمون أبو About أن القاهرة «بُنيت بالصدفة»! [انظر: مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين، د.إلهام محمد ذهني، القاهرة، الهيئة المصرية العامة، 1995، ص322 – 323]. ومن آثار مصر الشهيرة التي تعاني منذ فترة ما تعاني «أبو الهول»، أشهر مريض غامض في التاريخ! حين أعلن وزير الآثار المصري «ممدوح الدماطي»، أواخر أغسطس الماضي 2014 في مؤتمر صحافي، بدء ترميم تمثال أبو الهول الأثري في منطقة أهرامات الجيزة، بدأ جدل واسع بين علماء الآثار والنحاتين والمرممين حول طبيعة هذا التدخل الترميمي الوقائي، وذلك لأنه يتعلق بـ«أبو الهول»، الذي اعتاد علماء المصريات على وصفه بـ«أقدم مريض في التاريخ». يبلغ طول تمثال أبو الهول 73.5 مترا وعرضه 6 أمتار، وارتفاعه 20.22 مترا، ويقول تقرير صحافي إن الازعاج المزمن لرياح الشمال أجبر أبو الهول، هذا الصامت الأبدي على التخلي عن وقاره، وفق اسطورة فرعونية، وعقد صفقة مع الفرعون تحتمس الرابع، يقيم بموجبها الفرعون جداراً حول التمثال لحمايته وصد الرمال، مقابل وعد بوضعه على كرسي الحكم في مصر. ولا يعرف أحد مدى صدق هذه الأسطورة من قريب أو بعيد، لكن ما هو معروف أن تحتمس الرابع أقام فعلاً جداراً من الطين اللبن لصد الرياح لا تزال أجزاء منه موجودة حتى يومنا هذا، وأن هذا الحاكم ملك في مصر بين 1440 – 1390 قبل الميلاد. كان سقوط حجر من كتف أبو الهول في شتاء عام 1988 بمثابة الإنذار الأخير الذي أطلقه التمثال ليحظى بالعناية الملائمة وقد بذل النحات محمود مبروك جهداً كبيراً في تثبيت الكتل الصخرية أثناء عملية تشييد وترميم التمثال الخالد، ونجح ومن معه في تثبيت 12478 كتلة حجرية حول ثلث أبو الهول الأسفل. ثمة جدل حول تاريخ بناء هذا التمثال اللغز، الذي صار مع الأهرام الثلاثة رمزاً عالمياً لمصر. ويقول عصام شهاب مفتش آثار الهرم لصحيفة الشرق الأوسط، 2014/9/5، «لا نستطيع أن نقطع بشأن العهد الذي بُني فيه أبو الهول». ويميل الأستاذ شهاب إلى الرأي القائل إن التمثال يصور الملك خفرع باني الهرم الثاني للشبه الواضح بين تمثال هذا الملك ووجه أبو الهول. ويذهب فريق آخر من الأثريين إلى أن أبو الهول نحت في عهد خفرع فعلاً، ولكن يمثل إله الشمس «حور إم أخت»، وهناك رأي ثالث ينسب التمثال إلى أحد الأمراء من أبناء خوفو. ويرى الأثريون، يقول كاتب التقرير محمد حسن شعبان، إن التمثال يعد معجزة للنحت في عصره، لأنه منحوت من الصخر الطبيعي للهضبة، ويقول شهاب إن تلك الصخرة التي نُحت بها التمثال كانت جزءاً من أحد المحاجر التي استخدمت في عهد «خوفو»، ثم هُجرت لعدم صلاحيتها. ولما جاء مهندسون ووجدوا أن هذه الصخرة ستشوِّه المكان عند معبد الوادي قرروا الاستفادة منها بنحت هذا التمثال، الذي تكفلت رياح الشمال بتشكيله على صورة قريبة من صورته الحالية». ويرفض النحات المصري محمود مبروك هذا التحليل الفني، ويرى أن الفنان كان يقصد هذا الموقع بالذات. ومهما تجادل آخرون في أصل التمثال وهدفه، فإن عوامل الطبيعة لا تزال تهدده من رياح وتصحر ومياه متسربة، بل وحتى «الإسلام السياسي»! إذ «طالب أحد شيوخ السلفيين قبل عام بهدم التمثال، وهو أمر سبق أن تعرض له أبو الهول زمن الفاطميين على يد شيخ صوفي يدعى «صائم الدهر» الذي كسر أنف التمثال، حسب رواية شيخ المؤرخين المصريين تقي الدين المقريزي». ويرجح محمود شهاب رواية المقريزي، ويقول إن آثار كسر الأنف تدل على أنها نتيجة ضربات إزميل، وهو ما يخلي ساحة مدفعي نابليون، أشهر المتهمين في القضية التي تطال أيضاً البريطانيين والمماليك.
الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك