على خلفية زعمه الوقوف ضد «المماليك الجدد»، فارس الوقيان ينتقد التصريحات (المتناثرة) التى يطلقها المليفي كلما تم الحديث عن الجنسية والمواطنة الكويتية

زاوية الكتاب

كتب 842 مشاهدات 0





حكاية المماليك الجدد


د. فارس مطر الوقيان
لست من أنصار الكتابة الصحافية التي تعلّق في مضامينها على كل شاردة وواردة تظهر في صحافتنا المحلية، أي على مقالة شائهة من هنا، أوتصريح صحافي متهالك من هناك. لكن لا أنكر بأنه ثمة مواقف وتصريحات ما تستفز الذات بشكل عميق ومؤثر لدرجة لا يملك فيها أي منا خياراً آخر غير وسيلة الرد. وبهذا الشأن لا أتخيل بأن هوية وشخصية واسم الاثنين المتجادلين هما المعنيان بالمسألة برمتها، وإنما ما هو أهم الطرق التي يشتغل فيها ذهن كل منهما. فالحوار المتبادل، أو نمط الردود بهذه الحالة تكون مرتبطة بآلية العقل، وليس بهوية الشخص الدينية والوظيفية والعرقية والمناطقية. ومن الواضح تماماً بأن رياح تغيير المفاهيم والمصطلحات والسلوكيات العالمية والإنسانية قد بلغت ما بلغت من التأثير ولدرجة أصبحت فيها مقولات البعض لا تنتمي لعالم اليوم، بل لعصور الظلام والقرون الوسطى والجاهلية الأولى، مما يدعو لنشوب حوار أو جدل متبادل يسمي الأشياء بمسمياتها الزمنية الراهنة.

نشر في معظم صحافتنا اليومية قبل أيام، تصريح للنائب الفاضل أحمد المليفي، لم يجد فيه الصحافيون من المانشيتات والعبارات البارزة سوى أن «وزارة الداخلية... مختطفة من المماليك الجدد».. وأيضاً عبارة أخرى «رئيس الوزراء سعى إلى تجنيس مزور وتاجر مخدرات».. وفقرة تتضمن الآتي «إنني أعتبر ملف التجنيس خطاً أحمر لحماية البلاد... وأن الداخلية مختطفة من المماليك الجدد والدليل ضرب اللجنة الوطنية لمعالجة ملف البدون، وهناك رسالة وجهت تقول إننا قادمون لمواجهة كل من وقف في طريقنا ولقد (طشرناهم)» وقد أوضح المليفي بأن «اللجنة أنشئت بمرسوم، والآن يريدون تصغيرها لتصبح إدارة، ويضعون عليها شخصاً، أخشى أن يتم التحكم به بالريموت كنترول». وأضاف المليفي يقول بأن هناك «تقريراً وضعته وزارة الداخلية كشف عن تجنيس 389 شخصاً من أصل 556 عليهم قيود أمنية ولا يستحقون الجنسية».

في كل مرة يتم بها الحديث عن الاندماج المجتمعي والمواطنة الكويتية ورد الاعتبار الوطني لشرائح مجتمعية لم نعاملها بإنسانية ووفاء مثل الذين استشهدوا وأسروا وشاركوا في أحداث جسام عسكرية، أو مدنية، لخدمة تراب الكويت، يطل علينا النائب الفاضل المليفي بتصريحات متناثرة ومبهمة يحارب بها أشباحا ليست موجودة على أرض الواقع ومقولات غير مفهومة من الكثيرين، لا تعبر عن شخصيته التي يعرفه الناس بها، فهي، أي تصريحاته، لا تنظر في كأس الوطن والوطنية وحقوق البشر البدون سوى ذلك النصف الفارغ مثل أنهم لا يستحقون، عليهم قضايا وقيود أمنية وليس لهم خدمات جليلة!

وفي المقابل لم نشهد ولو للحظة واحدة المليفي يتحدث عن النصف الإنساني الآخر الملآن الذي ينصف أولئك المستحقين لحق الجنسية والمواطنة الكويتية، فإذا كانت بالفعل تهمه مصلحة الوطن واستقرار مجتمعه، لماذا لا ينظر للمسألة بطريقة قانونية عادلة وإنسانية ويسعى بما يملك من علاقات واسعة في اللجنة التنفيذية (للبدون) ومعلومات مفصلة سرية يزود بها، الى تجنيس أولئك الذين ليس عليهم أي شبهة قانونية وأمنية تعرقل حصولهم على حق المواطنة!!

وهنا عليه بدلاً من أن يضيع وقته وجهده في حروب طواحين الهواء بالتفتيش عمن لديهم قيود أمنية لمنع تجنيسهم، أن يفتش عمن ليس عليهم قيود أمنية لرد اعتبارهم الوطني والإنساني، فمن أعطاه تلك المعلومات دون اعتبار لوظيفته الوطنية التي تستدعي الحفاظ على أسرار الوطن البالغة الأهمية، ليس بعاجز عن إعطائه معلومات متعلقة بأعداد المستحقين للجنسية، ولا يوجد تفسير لموقف المليفي ومن يدعمه بهذا التوجه غير الإنساني، إلا أنه متخصص بالإثارة وفبركة تلك القيود الأمنية بطريقة غير شرعية من أجل منع مستحقي الجنسية من الحصول عليها بصورة شرعية وقانونية!

في ضوء تلك العبارات الواردة في تصريح النائب المليفي، تساءل الكثير من المراقبين والمهتمين بشأن الوطن واستقراره، والمواطنة وتطبيقاتها، من الذي يعنيهم المليفي ويصفهم «بالمماليك الجدد»؟.. وعن وجهة الرسالة وما هو محتواها التي وجهت من أجله، (مثلما يقول) واولئك القادمون لمواجهة كل من وقف في طريقهم وقالوا لقد«طشرناهم»؟.. ومن هو الشخص الذي يريدون وضعه على إدارة لجنة البدون للتحكم به بالريموت كنترول؟، ولماذا لا يستطيع المليفي وهو النائب البرلماني صاحب التخصص الحقوقي والقانوني والذي يتمتع بحصانة برلمانية، أن يدلي بتصريح إعلامي وبخطاب سياسي واضح مليء بالشفافي ، يسمي الأشياء بمسمياتها ويجيب للمواطنين عن تلك التساؤلات كافة؟ ثم كيف على حقوقي ونائب برلماني أن يصبغ تصريحا صحافيا يتعلق بقضية قانونية ووطنية مثل قضية التجنيس من دون أن يذكر نصا واحدا من الدستور الكويتي، أو قوانين الجنسية والإقامة للتدليل على صواب رأيه وقوة حجته وصدق مقولاته؟؟

كثير من المتابعين لتصريح النائب المليفي، يبرز لهم في المقدمة أنه يريد حماية الدستور والسيادة وغيرها، وبأن المسألة لا تعدو كونها من لزوميات الاستهلاك الانتخابي ليقول « أنا هنا»، أسخّر نفسي لحمايتكم، وأحارب بالوكالة عنكم ضد «المماليك الجدد»، لكن ذلك التصريح أتى على غير ما أراد المليفي، فحتى أقرب المقربين له لم يفهموا هوية المماليك الجدد، ومن يمثلون في المجتمع الكويتي، لأنه بكل تأكيد، تفسير يحمل دلالات عديدة، فإذا كان المليفي يقصد بأن الطارئين الوافدين منذ فترة قصيرة هم المماليك الجدد، فإن من يدافع عنهم المليفي هم أيضاً مماليك من نوع آخر، وعليه تتحول الأرض الكويتية في النهاية إلى دولة مماليك مثلما يريد المليفي...

بالإضافة إلى دلالة المقصد المسكوت عنه في تصريح المليفي الذي بيناه سلفاً، وأيضاً دلالة المقصد الانتخابي، هناك دلالة سياسية كامنة في اللاوعي البرلماني للمليفي، تستهدف شخص رئيس الوزراء، فتصريحه يأتي في الربع الأخير من العام 2008 ، فما الهدف من إقحام رئيس الحكومة في مسألة جرت قبل سنوات ولم تتحقق!! فالسعي، مجرد السعي لتجنيس مزور، وتاجر مخدرات، كان دافعاً قوياً لتعليق كل

ما حدث على شماعة رئيس الوزراء، على الرغم من أن مسألة من هذا النوع تعبر عن طابع ديمقراطي ينبغي الإشادة فيه، أولاً لأنه لم يتحقق إذاً فكأن شيئاً لم يكن، وثانياً أن ذلك التراجع يعتبر خصلة ديمقراطية يجب على المليفي وغيره تشجيعها بكل أصالة وشجاعة في شخص رئيس الحكومة، ولاسيما أن تهمتي التزوير والمخدرات لا يمكن الوثوق بهما، فليس هناك أحكام قضائية أزاح عنها، النائب المليفي، الستار.. وليس من المستبعد أن تكون ملفقة من قبل الذين يدافع عنهم المليفي في اللجنة التنفيذية للبدون، هذه التي يمتلك عشرات الألوف من البشر ما يكفي من الأدلة والوثائق لإدانتها وإدانة القائمين عليه.. هذا لو كنا حقا في مجتمع ديموقراطي صحيح وعريق.

أوان

تعليقات

اكتب تعليقك