ليس من السهل إيجاد مورد للمال ينافس النفط!.. برأي خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 779 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  النفط.. إذا هوى

خليل علي حيدر

 

من أكبر ثغراتنا التنموية، في دول الخليج عموما، اننا لا يمكن ان نفكر بالغد ونقلق حقا، بينما نحن ننعم اليوم بهذه الاموال والزيادات والرواتب، وان نجهز دواء الجرح قبل ان تقع الفأس بالرأس.. كما هو حالنا اليوم في دول مجلس التعاون بل وعدة دول عربية واسلامية اخرى، ازاء هذا التراجع المباغت المخيف المتواصل انحدارا في اسعار النفط!
احد اركان «ثقافتنا الاجتماعية» للاسف اننا نعتبر أي قضية تُحل على أكمل وجه، بمجرد تداولها والحديث عنها وتبادل الاراء حولها، دون المبادرة الى تغيير الواقع المعيشي والاقتصادي والتصدي بشكل حاسم جاد لحلها. وكم في حياتنا من محاضرات خطيرة وندوات مدوية نسينا ما قيل فيها، واقتراحات وتوصيات لم تغادر الارفف والادراج! واذا كانت مشاكلنا الاجتماعية والثقافية تتحمل التأجيل والتسويف، فهيهات ان يساعدنا هذا الترحيل المستمر منذ عقود، لاقتراحات تنمية اقتصاد بدليل للنفط، في ايجاد موارد مالية اكثر ثباتا واقل عرضة لمخاطر ومضاربات سلعة كثر المتاجرون بها كالبترول.
لم أقرأ في الصحافة ما يلخص في سطر جانبا اساسيا من ورطتنا المالية القادمة ومشكلتنا التنموية الخانقة، كالذي جاء في صحيفة القبس عندما نشرت تقرير «وكالة التصنيف الائتماني العالمية»، وكأن عنوان الصفحة «مشكلة دول الخليج في تدني التعليم وليس في تدني اسعار النفط». فدول الخليج «في المرتبة 29 بالبنى التحتية، لكنها في المرتبة 53 بالتعليم». ومما جاء في التقرير ان سوء التعليم يطمر المهارات ويقضي على الابتكار، وان الانفاق الخليجي على البحث والتطوير اقل من نصف انفاق دول افريقية! (2014/12/16). هل يعقل هذا؟
«خسرت الحكومة السعودية، مثل بقية الدول النفطية نصف مداخيلها اليومية، منذ ان هبط سعر البرميل تحت 60 دولارا». المشكلة، يضيف الاعلامي السعودي عبدالرحمن الراشد في صحيفة الشرق الاوسط، 2014/12/28، «لم تنته، بل لم تبدأ بعد. فكروا جيدا، هل نستطيع ان نعيش لو انحدر سعر البرميل الى 30 دولارا فأقل؟ ودام الوضع هكذا عشر سنوات واكثر؟ هل بوسعنا ان ننتظر لاصلاح الوضع حين نبلغ حافة الهاوية»؟
لن يستجيب احد على الارجح، في السعودية والكويت وغيرهما، لاستغاثة «الراشد». فقد سمع الناس في المنطقة هذه التحذيرات من قبل مرارا، وعادت الاسعار فارتفعت وفاضت في الزيادة كما حدث في الاعوام الاخيرة، حيث تكدست اموال آسيا واوروبا في خزائننا، وبتنا ننفقها يمنة ويسرة بلا حسيب أو رقيب.
ولهذا سيكون اقتصادنا في وضع مأساوي ان صدقت التحذيرات وهاجمنا الذئب قريبا.. كما يتوقع الاستاذ الراشد.
ليس من السهل ايجاد مورد للمال ينافس النفط، وبخاصة انه لا يزيد غلاء بسبب ما نبذل من جهد أو نعاني من مشقة، ولا تستطيع كل دول الخليج ان تتحول الى امارة مثل دبي.
اما تطوير التعليم في المنطقة الخليجية والعربية والتركيز على تنمية الطاقة البشرية واستلهام التجارب الآسيوية من نمور وافيال، فليس واردا في المستقبل المنظور. والارجح ان تبدأ في اعلامنا وصحافتنا خاصة موجة جديدة من التلاوم والتشكيك، وسلسلة من الاقتراحات التي لن ينفذها احد، والتحذيرات التي لن يتأثر بها أي جهاز أو مؤسسة.. أو مسؤول!
الخليجيون ليسوا الوحيدين في هذه الازمة، وبعض الدول العربية الاخرى غارقة في الحروب الاهلية مثل ليبيا أو محاربة الارهاب مثل العراق أو ضرب اخماس بأسداس مثل الجزائر. نيجيريا، يقول الخبير في مركز الشرق للاستشارات مروان سلامة، «تتلوى حاليا من انهيار سعر النفط، فإيرادات النفط تشكل حوالي %80 من ايرادات الحكومة». اما ايران، فيقول سلامة، «فقد تضطر الى المغامرة بتأزيم الاوضاع الاقليمية، وربما اطلاق مناوشات أو حروب، وهذا بكل تأكيد سيطلق اسعار النفط الى القمم».
ولكن ان كانت هذه هي ورقة ايران فإن روسيا أقدر منها كقوة تحريك عالمية. فروسيا، يقول سلامة، محاصرة منذ الازل، ولكن هذا الحصار بدأ أخيرا يعصرها للموت من خلال المقاطعة الاقتصادية والمصرفية الغربية، وقد تدهورت العملة الروسية (القبس، 2014/12/28).
هل في تدهور اقتصاد وعملة روسيا، الدولة العظمى السابقة، عزاء لنا؟ في الواقع لا يشكل قطاع النفط والغاز اكثر من %16 من الناتج الاجمالي، و%52 من ايرادات الحكومة الفيدرالية، كما ان تدهور قيمة العملة %5 سيضاعف ايرادات الحكومة، ولم تستغل روسيا كل امكانياتها ولم تلعب كل اوراقها الاقليمية والدولية.
كل الازمات البترولية الخليجية والعربية، لم تتمخض حتى الآن مثلا، عن مراكز ابحاث متقدمة في تطوير المواد البتروكيماوية، أو جامعة خليجية ذات اهمية دولية في مجال البترول.
لازال اقتصادنا النفطي من جوف الارض الى الجيب، ومن التصدير الى التبذير.

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك