الغزو الإخواني للأزهر!.. بقلم خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 536 مشاهدات 0


الوطن

أفكار وأضواء  /  عندما غزا الإخوان المسلمون.. الأزهر!

خليل علي حيدر

 

«مصر والعالم الاسلامي كله مدين للأزهر فكرياً وعقائدياً وسياسياً»، يقول محمد شلبي، في مقال الهلال المكرس لتجديد الخطاب الديني، نوفمبر 2013، ويضيف في مقال بعنوان «الأزهر الشريف وسطي دائماً.. متشدد أحياناً»، ان الأزهر وجد نفسه على الدوام في صراع مع «التيارات المنحرفة»، يغالب ظلام الجهل المطبق الذي ران على العالم الاسلامي زمناً طويلاً، فكان منارة أمل تشع في ظلام العهود السوداء.
لقد أنشئ منصب شيخ الجامع الأزهر رسمياً في عهد الحكم العثماني، يقول الكاتب، «ليتولى رئاسته أحد علمائه، ويشرف على شؤونه الإدارية، ويحافظ على الأمن والنظام. ومن وقتها يعتبر شيخ الأزهر شيخاً لعلماء مصر والعالم الاسلامي، وهو في نظر المسلمين شيخهم جميعاً وإمامهم وقدوتهم ورمزهم وفخارهم وهو الإمام الأكبر، صاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية».
اتسمت الصفة المذهبية للأزهر بنوع من التعددية والمرونة. «فالأزهر يُدرِّس لطلابه ثمانية مذاهب: أربعة منها ليست من مذاهب أهل السنة ليستفيدوا بما فيها، على الرغم من عدم الرضا عن عقيدة أصحابها، لأنه يفصل بين الانطباع الشخصي وبين الاستفادة ممن لا يرضى عنه، فإذا أراد الطالب البحث عن قضية فقهية يذهب الى كافة المذاهب ومنها الشيعة والاباضية، فإذا وجد الحق في أي مذهب فهو ضالته، فمنهج الأزهر هو السعي الى جمع الامة واحتوائها وعدم التشرذم والتطرف».
من أين اذن، جاء التطرف والتشدد الفقهي الى المجتمع المصري والى الاسلام عموما؟
يرى الاستاذ شلبي، ان جرثومة هذا البلاء الفكري والسياسي تسللت الى مصر من الخارج، ومن الدول الخليجية خاصة!
وقد واجه الأزهر «مأزقاً فكرياً رهيباً حينما تسللت للساحة المصرية مدارس دينية تمثل التشدد والتطرف الديني، وقد استطاعت هذه المدارس امام الطفرة النفطية ان تغير الكثير من ثوابت الأزهر في الفكر والعقيدة.. فقد جذبت أموال النفط أعداداً كبيرة من العلماء، وبدلاً من ان يذهب هؤلاء لينشروا الوسطية المصرية منهج الأزهر في الخارج كما كانوا يفعلون، عادوا لينشروا التشدد الديني في الداخل، ووجدت مصر نفسها أمام منظومة دينية تختلف تماماً عن كل ما عرفت من مدارس الفكر والعقيدة على مر التاريخ».
ولا شك ان ما حدث في الفكر الديني والثقافة الاسلامية والتيارات الدينية خلال هذه الفترة، ما بين 1973 – 1990 مثلا، أعقد من ذلك بلا شك. اذ ان منابع التطرف الديني في ثقافتنا عديدة، والاصلاح الديني معطل وممنوع في سائر العالم الاسلامي، والتفكير الديني المجدد والبحث التاريخي المخالف لما هو مألوف ومتوقع محارب ومعاقب عليه بشدة في الجامعات وكليات الشريعة وعالم التأليف والنشر والاعلام.. فمن أين سيأتي التجديد؟ ان الثقافة الدينية الطاغية اليوم على الفهم والممارسة في العالم العربي والاسلامي تبجل الموروث وتتجاهل تطور العلوم ولا تكاد تشعر بما يعنيه مرور 1400 عام على ظهور الاسلام وانتشاره اليوم عبر الكرة الارضية في خمسين دولة وفي دول العالم كلها، وفي زيادة اتباع هذا الدين عن مليار ونصف المليار انسان، يعيشون في بيئات مختلفة وثقافات متنوعة وتجابههم تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية غير مألوفة.
ولعل هذا الجمود الفكري ومحاربة التجديد وعدم اتاحة الفرصة للنقاش العلمي والتاريخي الحر، هو الذي يجعل شباب العالم العربي رجالا ونساء ادوات استقبال شديدة الحساسية لالتقاط كل الافكار المنافية لحياة القرن الحادي والعشرين، وسريعة الانخراط في تيارات الافكار المتعصبة والجماعات المتشددة والارهاب. بل ونحن نرى هذه الظواهر اشد بروزا في العالم الاسلامي على وجه الخصوص مهما قيل عن المجتمعات الاخرى، او شوهد هنا وهناك.
فالذي حمل التطرف الى مصر مثلا لم يكن رجال الازهر، والذي اسس حركة الاخوان المسلمين والحركات والجماعات الاخرى لم يكونوا من رجال الازهر، والذي ملأ صفوف هذه التنظيمات بالرجال والنساء كذلك لم يكونوا، الا في اضيق الحدود، من شيوخ الازهر.
كانت المفاجأة ولا تزال، ان الذي اسس هذه الاحزاب الدينية وقوى اركانها بالكوادر والنشطاء ورؤساء اللجان والممولين، كانوا شباب الجامعات وارباب مختلف المهن التعليمية والطبية والهندسية والميكانيكية والمحامين والقضاة وتجار الاسواق والبنوك، والاعجب الفتيات والنساء اللواتي تحمل قاسم امين وكثيرون غيره من الرجال والنساء، ممن تحملوا الكثير كي تنال المرأة حقوقها في التعليم والعمل، ولا تكون امرأة امية فقيرة جاهلة معزولة اجتماعيا وسياسيا، حبيسة المنزل، كما كانت في مصر زمن قاسم امين عام 1899، عندما اصدر كتابه «تحرير المرأة»، او كما هي اليوم في ارياف باكستان او جبال افغانستان!
ان كل من يدرس الاسلام بمذهبيه السني والشيعي بانتظام، ويطالع كتب التفسير والحديث والفقه يدرك بوضوح ان فكر جماعات الاخوان المسلمين والسلف والجماعات الجهادية وحزب التحرير وحزب الدعوة وحزب الله وغير ذلك من الجماعات مجرد قراءة انتقائية للتراث الاسلامي والنصوص الدينية. وان قادة هذه الجماعات تبرز من جوانب الاسلام والنصوص ما تشتهي وما يتلاءم مع مصالحها ونشاطاتها وبيئتها والدول التي تدعمها، وتتجاهل ما يتعارض وهذا كله أو بعضه. هكذا الإخوان وهكذا السلف وغيرهم، وعلى المنوال نفسه تسير جماعات التشيع السياسي.
وهذا واضح كل الوضوح في قضايا «موقف الاسلام» من الديموقراطية والمرأة وغير المسلمين والحريات وتطبيق الحدود والموسيقى حتى مسائل حلق اللحية وتقصير الثوب وتكحيل العين!
وفي الحقيقة، لم يدرس الاسلاميون في هذه الحركات بمختلف اسمائها وتوجهاتها ومذاهبها الاسلام نفسه ونصوص الآيات والتفاسير وهذا الكم الهائل من الحديث والفقه، ليخرجوا لنا بفكر عميق اصيل يجمع بين الاسلام والعصر كما يزعمون، ومعظم اعضاء هذه الحركات يفاجئون ببعض النصوص والتفاسير والاحكام الفقهية والمبررات الشرعية. وما هذا الا لان معظم قراءاتهم ومطالعاتهم تتركز على مؤلفات بعض الكتاب البارزين في جماعة الاخوان، او بعض الكتب المعتمدة في صفوف جماعات السلف او بعض الكتب الحزبية الجامدة الجافة التي يقدس نصوصها حزب التحرير، او ما يماثل هذا في الاحزاب الشيعية.
ولا غرابة في هذا حقاً، فمعظم كوادر وعناصر هذه الاحزاب من المدرسين والمهندسين والاطباء والموظفين والطلاب وبعض رجال الاعمال ممن لم يدرسوا الكتب الدينية الا قليلا، وممن يتابعون مهنهم وتخصصاتهم وطموحاتهم الوظيفية وحياتهم الاسرية، ولا وقت لديهم الا لقراءة بعض الكتب والرسائل، او الاستماع الى بعض الاشرطة او مشاهدة بعض القنوات. ويصدق هذا على الطبقة المتعلمة والطبقة الوسطى في كل العالم العربي والاسلامي من اندونيسيا الى المغرب، حيث تصدر بانتظام كتب من قبيل «كيف نفهم الاسلام» كل عشر او عشرين سنة، وحيث تتغير انماط الفهم ومقاصد الشريعة وفق كل حزب او جماعة. فأدبيات الاسلاميين كانت تخاطب الجمهور عام 1930 مثيرة نقاطا معينة، وبعد ثورة 1952 صارت تركز على امور معينة تختلف بين مصر وسورية والعراق، وبعد نكسة حزيران عام 1967 او الثورة الايرانية في 1979 او بعد 11 سبتمبر 2001 او ثورة يناير 2011، باتت تقول اشياء اخرى.
الاسلام السياسي والفكر الحزبي الحركي في الواقع «ايديولوجية المتاريس المتحركة» التي لها في كل مقام مقال، ومع تغير كل وضع مآل، وقد تؤثر في مراحل الغموض والصمت والسكون، ومن سكن سلم كما يقول النحاة!.
وما هكذا الجامع الازهر، الذي هو مؤسسة تقليدية تاريخية تتحمل مسؤوليات اعرض بكثير من اهداف الجماعات الاسلامية واشد وضوحا واقل تسيباً بما لا يقارن.
وقد غازل الاخوان الازهر منذ بداية قيام الجماعة، فنرى المرشد البنا يقول في «رسالة المؤتمر الخامس» 1938 يغازل الازهر بحرارة فيقول: «والازهر بطبعه معقل الدعوة الاسلامية وموئل الاسلام، فليس غريبا عليه ان يعتبر دعوة الاخوان دعوته وان يعد غايتها غايته، وان تمتلئ الصفوف الاخوانية والاندية الاخوانية بشبابه الناهض وعلمائه الفضلاء ومدرسيه ووعاظه، وان يكون لهم جميعا اكبر الاثر في نشر الدعوة وتأييدها والمناداة بها في كل مكان». (مجموعة رسائل الامام الشهيد طبعة الشهاب ص 165).
وعندما قامت الحرب العالمية الثانية ظهرت في بدايتها دعوة لتآلف الجماعات الاسلامية والازهر، تحت تصور ان «وقوع الخلاف بين معسكرين في اوروبا المسيحية يتيح الفرصة لكي يتخلص المسلمون من الاستعمار الاوروبي، وفي بعض الاحيان تصور آخرون ان المانيا التي هي خصم لبريطانيا وفرنسا ستساعد المسلمين على الاستقلال ولا سيما ان المانيا لم يكن لها مستعمرات في العالم الاسلامي، ومن هنا كان هناك ميل لا شعوري الى المحور – المانيا وايطاليا – ظهر بين اتباع الجماعات الاسلامية بصورة اوضح من قطاعات اخرى، وكانت هذه نزعة مؤقتة في السنوات الاولى من الحرب التي شهدت تصاعدا في قوة المحور، وقد مهد الاخوان لربط الازهر بهذا التيار.. وقد حقق الاخوان نجاحا في ربط الازهر بهذا الاتجاه برغم تحذير احدى الصحف الاسلامية، وبرغم التهديد بالاطاحة بشيخ الازهر نفسه»، ويضيف د.زكريا بيومي ان العديد من المظاهرات قامت بإيعاز من الاخوان وغيرهم للتأثير في طلبة الازهر، حيث «اثبتت بها نجاحا كبيرا في السيطرة على جزء كبير من هؤلاء الطلاب وكذا علماء الازهر» (الاخوان المسلمون والجماعات الاسلامية، القاهرة 1979، ص267-266).
كان ضمن اهداف الاخوان التقليل من جماهيرية حزب الوفد وبقية الاحزاب بين طلاب الازهر، وقد خرجت جماعة الاخوان برصيد كبير صفوفها من طلاب الازهر في اعقاب الحرب العالمية الثانية، ولكنها لم تحقق بقية اهدافها في تحريك الازهر بالاتجاه المرغوب، وعندما انشقت جماعة «شباب محمد» عن الاخوان رأت ان الازهر «يحتاج الى تقويم وان الازهريين يحتاجون الى جهاد شاق»، وهاجمت صحيفة جماعة شباب محمد علماء الازهر قائلة بانهم «فرطوا في كرامتهم فأحبوا الدنيا وحرصوا على المال والمناصب فسكتوا عن تطبيق الشريعة وتغاضوا عن انتهاك حرمات الاسلام واقبلوا على الحكام يستجدون رضاهم».
وهاجم سيد قطب في كتابه «معركة الاسلام والرأسمالية» الزي الازهري المعروف فقال: «حتى تلك الازياء الخاصة بالمشايخ والدراويش، انها ليست شيئا في الدين، فليس هناك زي اسلامي وزي غير اسلامي.. وعلام يتميز بعض المسلمين من بعض بلباس؟» (طبعة بيروت 1983، ص70).
ماذا عن شيوخ الازهر والاخوان المسملين في دول الخليج؟
هذا مبحث آخر!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك