العرب من وجهة نظر يابانية!.. بقلم ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 801 مشاهدات 0


النهار

خارج التغطية  /  العرب من وجهة نظر يابانية

ناصر المطيري

 

عاني المجتمع العربي في أغلبه من غياب العدالة الاجتماعية وانعدام الشعور بالمسؤولية والأنانية وازدواجية الشخصية وعدم ممارسة المجتمع دوره في تنمية مواهب الأطفال وحتى في احتضان الموهوبين من أبنائه بالإضافة لغياب الثقة بين أفراد المجتمع، في هذا الكلمات يلخص الكاتب الياباني (نوبوأكي نوتتوهارا) مشكلة العرب كأمة وشعب وثقافة في كتابه الذي صدر بعنوان «العرب من وجهة نظر يابانية» الصادر عام 2003 ، وجاء هذا الكتاب المهم بعد حصاد تجربة حية للكاتب استمرت 40 عاما في المنطقة العربية بمختلف بيئاتها وأقاليمها.
مؤلف الكتاب لم يُنصّب نفسه كحَكم أو ناقد للشّخصيّة والمجتمع العربي، بل هو ينقل انطباعاته الذاتيّة عمّا رآه خلال تنقّله بين الدّول العربيّة، إذ أقام في ريف مصر وتعامل مع البدو في بادية الشّام وزار حضرموت في اليمن، بالإضافة إلى دراسته وقراءته عن هذه المجتمعات. فقد كان ولمدّة 40 عاماً طالباً في قسم الدّراسات العربيّة ثمّ مدرّساً للأدب العربي.
في المقدّمة يشير الكاتب إلى -المعنى الذي طالما عشنا معه- غياب إنسانيّة المواطن العربي. فالمجتمعات العربية تفتقر إلى العدالة الاجتماعيّة، «المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه النّاس» ممّا يعني غياب سيادة القانون وحقوق الإنسان، والديموقراطية، وهي المفردات التي نسمع عنها كثيراً في الإعلام ولا نرى تطبيقها على الإطلاق، فالإعلام لدينا تابع للأنظمة الحاكمة بشكل أو بآخر، وهو يردّد كلمات فارغة من المعنى ولكنّها تطرب السّامعين.
أمر آخر يشير إليه الكاتب هو انعدام استقلاليّة الفرد، وسيادة القمع، فكلّ شيء يتعلّق بالمجموعة على حساب الفرد، فالدّين حصري ولا يقبل المساومات، الحكم الفردي هو السائد، القيم ثابتة ولا تتطوّر الخ ولكي ننجو من هذه المساوئ التي لا حصر لها، يقترح الكاتب، أن نقوم بعملية نقد للذّات، نعي من خلالها أخطاءنا ونحاول إصلاحها قبل فوات الأوان..
يقول نوتوهارا: «إنّني شبعت جداً من كلمة (الديموقراطية) وكل من له علاقة بالكتّاب العرب يعرف معنى التخمة من كلمة (الديموقراطية) وهذا الشبع الزائد الزائف يدل بوضوح على غياب الديموقراطية. فمثلا تجلس مع كاتب يتحدث عن الديموقراطية بلا تعب ثلاث ساعات ولا يعطي مجالا لأحد من الحاضرين بالكلام. عمليا هو يمارس الدكتاتورية أو على الأقل سلطة النّجم ومع ذلك يشكو من غياب الديموقراطية..
ويناقش الكاتب موضوعاً شيّقاً لم يحظ بعد بالاهتمام الكافي، وهو «علاقة الأنا بالآخر» في مجتمعاتنا التي تغيب فيها أبسط أسس الدّيموقراطية والتعدديّة الفكريّة لا ننتبه إلى وجود «الآخر» علاوة على أن نعطيه حقّه في أن يكون مختلفاً عنّا، فثقافتنا مبنيّة على إرث طويل من الإقصاء والتّكفير والنّفي بكلّ بساطة.
ثم انتقل الكاتب الياباني للحديث عن ازدواجيّة الشخص العربي، وهي فكرة طرحها ودافع عنها من قبل خبير الاجتماع العربي د. علي الوردي كثيراً، وقد لا نجد كتاباً واحداً له يخلو من ذكر هذا المصطلح، وملخّص هذه الفكرة أنّ الفرد العربي يستخدم نمطين من الشخصيّة بحسب طبيعة الموقف أو الشخص الذي يواجهه، فهو أمام السّلطان والمسؤول خاضع ومتباك، ولكن عندما يمتلك السلطة يصبح متعالياً وكأنه شخص آخر تماماً، نفس هذه الفكرة يطرحها الكاتب نوتوهارا ويدعمها بكثير من الأمثلة التي رآها ولم يفهمها إلا بعد الرّجوع إلى «الازدواجيّة» كتفسير، وهو يضيف كون الثقة هي الأساس الذي يتعامل به اليابانيون فيما بينهم، والكاتب شخصياً يحاول أن يعلم تلاميذه هذا الأمر، ولهذا فهو لا يراقب الطلاب في الامتحانات، بل يتركهم لحالهم ويذهب إلى غرفته الخاصّة، وهو على ثقة تامة أنّ الطالب الغشّاش سيتمّ تأنيبه من قبل أصدقائه ولن يسمح له أحد بهذا العمل، أمّا في المجتمع العربي فالشّرف، والعار، والمحسوبية وأمور أخرى كثيرة تستبدل بالثقة بالنفس.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك