في وداع عجيل السعدون يكتب بن طفلة
زاوية الكتابحين تجتمع حميد الخصال في فرد من الرجال
كتب فبراير 16, 2015, 3:34 م 9250 مشاهدات 0
لا أدري لماذا أكتب هذه الكلمات، أهي رثاء لنفسي، أم تعزية لتخفيف الألم ومحاولة لإيقاف الدموع؟ أهي أنانية لتخفيف مصابي الجلل ؟ أم نوع من الماسوشية للتلذذ بالفجيعة؟
كيف يرثي الإنسان أكثر من أربعة عقود في حياته من الأخوة والصداقة و'الرفجه' على النقاء والطيب؟ رحل الدكتور الصديق الصدوق عجيل السعدون عن دنيانا بالأمس، وودعناه لمثواه الأخير صباح اليوم! اصطفاف البشر لأكثر من ساعتين في وداعه بالمقبرة تعكس بعضا من خصاله: كويتيون بمشاربهم وأطيافهم، عرب وغير عرب ممن عرفوه وعملوا معه أو تعرفوا على بعض صفاته النادرة في عالم تعز به القيم والمباديء والمثل.
رجل لا يوجد في قاموسه كلمة 'لا'، لا يقبل أن يرد أحدا، العاملون معه ببيته أو بمكتبه أو في عيادات مستشفى أسرته أو حين كان دبلوماسيا ببيرطانيا أو طالبا يتابع دراسته، أسر وأطفال وعائلات تعيش على عطائه الصامت بالعراق وسوريا وفلسطين واليمن ودول أخرى لا يعرف عنها أحد سواه. رحل بكثير من أسرار الخير والعطاء معه إلى قبره.
مثل معظم أترابنا، أتى من خلفية جهراوية متواضعة ماديا، متألقة بجذورها ومتميزة بتاريخها، فهو سليل أسرة السعدون الكريمة التي يمتد صداها في تاريخ العراق قرونا وصولا للحسين بن علي بن أبي طالب، لكنه لم يكن مثل أي منا، فقد كان 'يصرف كمن لا يخشى الفقر'، كان يستلف لكي يفك كربة مكروب، ويتدين ليفك قيد مديون، ويعطي وينسى، وتلك من خصال نوادر الرجال وسمات الشهامة والكرم.
عاشرت بوتركي على امتداد سني الدراسة الثانوية، فجامعة الكويت، ثم تزاورنا أثناء الدراسات العليا بأمريكا، وتزاملنا بسفارة الكويت بلندن- هو ملحق ثقافي وانا إعلامي. كان له قوة السحر في محبة الطلبة الدارسين ببريطانيا وايرلندا له، يذلل عقبة أي طالب مهما كانت، ولو استدعى الأمر السفر لساعات لحل مشكلة طالب ما، كان يتساوى أمامه الجميع، لم أذكر أنه يوما 'طمّن أو رفع' لأصل فلان أو فصله أو طائفته، كان مقياسه لخدمة الناس والتعامل معهم مشطا متساوي الأسنان.
تستجمع في رحيل صديق صدوق ونادر مثل بوتركي ذكرى المحاسن، وتبحث في ثنايا الذكريات الطويلة عن المساويء: ألم يكن بشرا؟ هل تبالغ؟
كيف تجتمع كل الخصال الحميدة في رجل واحد: كريم كالعين المدرارة ماء عذبا، شهم كما كل الشهامة في فارس عربي أصيل، شجاع كالضيغم، ورقيق كبرعم الورد، شديد كالصخر وهش كدمعة يتيم ظلمه اليتم والعوز، ودود لا تعرف له عدوا، ولا يظلم من لا يحب، هكذا بعض ما كان عليه عجيل تركي السعدون.
كان وطنيا كويتيا وقوميا عروبيا ومتدينا إسلاميا وفائقا إنسانيا بتلقائية وبلا تنظير وبلا تعصب أوتطرف، يمنعه في ذلك الحب الذي يملأ خلجات نفسه النقية، خاض معترك الحياة النقابية الطلابية والسياسية العامة، ولم يكن من يختلف معه خصم له، خصوم السياسة في الغالب حمقى، لكن خصوم عجيل كانوا صغارا لفروسيته بالخصومة، ولأنفته وترفعه عن الصغائر.
رحل عجيل،،،،،
هكذا هي الدنيا: قادمون وراحلون، لكن مثله لا يغادرون، فهم بيننا بأفعالهم وخصالهم وذكرهم وأبنائهم، أربع من بناته طبيبات وتركي تخرج للتو وعبدالله محام بالمستقبل القريب وعواطف واعدة كأخواتها.
رحل عجيل، وبقيت ذكريات من المحبة والصداقة والألفة و'الخوّة' لا ترحل برحيل الأجساد، بل تسطر ملاحم بالعلاقات الإنسانية والأخوية.
أبو تركي، وداعا، وإلى لقاء قريب، فهذه الدنيا رحلتها قصيرة، والبقاء للعمل الصالح، وللذكرى العطرة، وللحب والعطاء والصداقة، وهي بعض من خصالك الجميلة التي اجتمعت في شخصك الفريد...
وداعا يا صديقي، إلى الخلود فمثلك من الخالدين بأفعالهم وذكراهم!!
سعد بن طفلة العجمي
تعليقات