يوسف المحيمد :صحوة الرواية مرادف للحراك الاجتماعي في السعودية

منوعات

300 مشاهدات 0


ربما ارتسمت علي وجهي كل علامات الدهشة والتعجب التي تدافعت إلي رأسي وهو يسرد في الدقائق الخمس الأولي من لقائنا الجهات الأجنبية التي احتفت بعمله واللغات التي ترجمت إليها مع التحديد الدقيق للتوقيتات التي ستصدر فيها في الولايات المتحدة وموعد ظهور الترجمة الفرنسية‏,‏ فلم يكن صدور روايته فخاخ الرائحة بالانجليزية عن مركز النشر بالجامعة الأمريكية مبررا كافيا للاغراق في تفاصيل الترجمات خاصة أن اللقاء كان الهدف منه التعرف علي الجديد الذي تشهده الحياة الأدبية في المملكة السعودية‏..‏ مع ذلك فمع تدفق كلماته وآرائه التي تعطي ملمحا لشكل التيارات الثقافية الجديدة التي بدأت تتبلور في هذه المنطقة وتداعي كل المعلومات المختزنة في الذاكرة حول الخطوط الحمراء في القص السعودي والصراع والتوتر بين تيار المحافظين وبين المحدثين وأنباء طبع بعض الأعمال الأدبية في لبنان ومنع تداول بعضها باعتبارها خرقا للممنوع‏,‏ رغم احتفاء العالم العربي بل والغرب بكتابها باعتبارهم جددوا في المضمون والتقنيات الاسلوبية‏,‏ كما حدث مع مدن الملح لعبد الله منيف ورواية ميمونة والسماء المفقودة‏,‏ التي لم يعف فوزها بجائزة الشارقة صاحبتها من اللوم والتساؤل حول البعد الاخلاقي في العمل‏,‏ بعدها تفهمت اسباب اهتمام ضيفي يوسف المحيمد صاحب روايات لغط الموتي‏2002‏ وفخاخ الرائحة‏2003‏ والقارورة‏2004‏ ونزهة الدولفين‏2006,‏ بصدور ترجمات لأعماله واحتفاء رجاء الصانع مؤلفة رواية بنات الرياض‏(‏ التي حققت أعلي مبيعات في لبنان في العام الماضي‏)‏ بصدور ترجمة للرواية بالانجليزية وتداولها في انجلترا وأمريكا آخيرا‏..‏ عندما انتهي من سرد الأعمال التي تمت ترجمتها والتي في طور الاعداد للترجمة مثل رواية القارورة التي صدرت عام‏2004‏ سألته اذا كانت أعماله تلقي نفس الاهتمام والنجاح في وطنه الأم فقال انني أقيس الاحتفاء بعدد الطبعات‏,‏ فالقارورة صدرت في‏3‏ طبعات وفخاخ الرائحة في طبعتين‏.‏ مع ذلك حضور اسمي في العالم العربي أكبر منه في السعودية‏.‏ تساءلت لماذا؟‏!.‏ قال مستوي القاريء في السعودية لم ينضج تماما‏.‏ مازال يبحث عن الحكاية لا الرواية في شخوصها ومعمارها وأماكنها التي يجب أن تظهر فيها‏.‏ اضافة الي أن السعودية مازالت كما أعتقد حديثه العهد بالرواية‏.‏ هذه الثورة العارمة التي حصلت في السعودية عمرها خمس سنوات‏.‏ صحيح أن تجربة تركي الحمد سبقت من‏12‏ أو‏15‏ سنة‏,‏ لكن هذا الكم الكبير من الرواية حديث العهد‏.‏ ففي عام‏2006‏ صدرت‏43‏ رواية‏.‏ بالبحث اكتشفت أن أول رواية سعودية صدرت عام‏35‏ أي قبل أكثر من سبعين عاما وأنها توأمت مع فكر المجتمع وقيمه ومع ذلك فلم يحظ كاتبها محمد الجوهري بنفس شهرة كتاب اليوم ولايزال ضيفي يكرر أن الرواية فن جديد في السعودية شهد انفراجه في العام الماضي‏..‏ هنا كان لابد أن أسأله عن سبب الصحوة المفاجئة‏,‏ في تقديره في عام‏2006‏ فقال شعوري أنا أن الرواية مرادف للحراك الاجتماعي في السعودية علي المستوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي‏.‏ الخلافات بين الفئات والافكار والتيارات أصبحت معلنة ومطروحة في الصحف والانترنت‏.‏ فأنا أتصور أن هذا الخلاف كان له حضور في الرواية تحديدا‏,‏ لأن الرواية‏,‏ هذا الجنس الأدبي يراهن دائما علي قدرته علي البوح والكتابة بمنتهي الحرية‏.‏ هذا الانفتاح هو ما حدث‏.‏ أنا أعتقد أن في السعودية الآن أعمالا استطاعت أن تخترق التابو المحرم‏(‏ الدين‏/‏ الجنس‏/‏ السياسة‏)‏ أكثر منها في بعض البلاد العربية الأخري في شكل سريع متتال تداعت الي ذاكرتي تجارب الكاتبات في المجتمعات التقليدية والضجة التي واجهتهن‏,‏ ولم تنج منها رجاء الصانع في روايتها فتيات الرياض فسألته عن بوح الكاتبات السعوديات وإذا ما كان لهن حضور واضح الآن في الأدب محليا وعن طبيعة التجربة التي يطرحنها وإذا ما كانت تتعلق بالتجربة الفردية أم تجربة المجتمع‏,‏ فقال‏:50%‏ من الروايات من مجمل ما نشر لأسماء كاتبات منهن من تنشر لأول مرة وهذه ظاهرة أتصور أنها صحية برغم الفوضي التي تحدث وعدم فهم الفن الروائي لأن هذا الكم سيفرز الكيف الأجود‏.‏ وأعتقد أنه بالنسبة لكتابة المرأة في السعودية‏,‏ لم تزل تدور في فلك الحب والزواج ولم تدخل‏,‏ كما أتصور في عمق الهم الاجتماعي والانساني بشكله الأكبر‏..‏ وعن التيارات والأساليب المطروحة في الرواية السعودية الآن أجاب قائلا‏.‏ الآن نحن نعيش فترة تهافت علي اختراق التابو فقط‏,‏ بصرف النظر عن جماليات الرواية‏.‏ أنا أتصور أن هذه المرحلة حيوية ومطلوبة جدا‏,‏ لكنها فترة مؤقتة‏,‏ ما يعتبر مهما الآن لن يكون مهما بعد عشر سنوات‏,‏ ولكني أتصور أنها مرحلة لابد أن نمر بها‏,‏ يجب أن يعتاد الكاتب أو القاريء علي تجاوز الشكل الرقابي بدءا من الرقيب الذاتي وانتهاء بكل أنواع الرقابة علي المجتمع‏.‏ في حالة تجاوز هذه المرحلة سوف تظهر الرواية الحقيقية في شكلها الجمالي الذي لا يتخفف من قيمته الاجتماعية ورؤيته العميقة‏.‏ وردا علي سؤال عن تجربة الشعر المعاصر في الجزيرة العربية قال تجربة الشعر ظهرت بشكل قوي في بداية الثمانينيات‏,‏ ظهرت أسماء شعرية خصوصا في تجربة قصيدة التفعيلة واستطاعت أن تحقق حضورا ليس فقط علي المستوي الداخلي لكن أيضا علي مستوي العالم العربي‏.‏ وفي مطلع التسعينيات بدأت تظهر قصيدة النثر بشكل متميز ولدينا أسماء طرحت نفسها بقوة‏.‏ هذه التجارب‏,‏ أشعر من نظرة متابع‏,‏ بدأت تضعف قليلا بسبب هجمة الرواية لدرجة أن كثيرا من الشعراء كتبوا الرواية مثل غازي القصيبي‏..‏ الكل بدأ يكتب الرواية مهندسون وأطباء‏..‏ الجميع‏..‏ لا أريد أن أكرر مقولة د‏.‏ جابر عصفور أن الرواية أصبحت ديوان العرب أو أنه عصر الرواية ولكن هذا هو الواقع‏..‏ أبديت تشككا اذا ما كان يمكن أن ينطبق هذا علي السعودية فقال أعتقد أنه في السنوات الأخيرة حدث تحول بسبب الحراك الاجتماعي وهي النقلة التي تتطلبها تحديدا الرواية‏..‏ أن تكون مطلق الحرية وتقتل الرقيب الذاتي بداخلك‏.‏ تساءلت عن مصدر هذا الحراك الاجتماعي وإذا ما كان ينبع من مجتمع يتطور تلقائيا ويبلور ويناقش الثوابت أم أنه مفروض طبقا لرؤي أخري وللانفتاح علي العالم‏,‏ فقال أعتقد أن الحراك الاجتماعي سواء في السعودية أو البلدان العربية حدث في داخل المنظومة العالمية ولا أقول أنها تحولات فرضت من الخارج‏.‏ الحراك الملموس الآن جاء بعد‏11‏ سبتمبر وغزو العراق وإحساس الانسان أنه جزء من المنظومة العربية وانتشار الانترنت‏.‏ الانسان أصبح منفتحا‏..‏ أصبح يفكر بصوت مسموع‏..‏ يكتب في كل مواقع الانترنت‏.‏ وقد واكب هذا توجه الحكومة ضد الارهاب‏,‏ فكان لابد من حضور مضاد سواء عبر الفكر أو الثقافة أو حتي عبر الرواية‏..‏ قلت لكن الثقافة وأسلوب التفكير ليس قرارا فوقيا‏!!‏ فقال لقد تمت خيارات في السبعينيات بقرار رسمي وقوبلت برفض من المجتمع الذي تقبلها بعد فترة مثل التعليم‏..‏ أعتقد أننا نعيش فترة حراك شديد ولابد من قانون يلزم الفئة الأعلي صوتا ليحدث التقدم ولو بعد عشرات السنين‏..‏ وعما اذا كان المجتمع السعودي يمثل ثقافة واحدة أم عدة ثقافات خاصة مع ظهور كتابات في العقود الأخيرة تتناول رؤي غير تقليدية سواء من حيث قضايا الهوية أو الاغتراب الاجتماعي أو الاحتفاء بالعناصر التجريبية والسيريالية والتحول والحوار بين الاجيال في مقابل استمرارية الأصوات المحافظة‏,‏ قال الخيارات التي تتاح لأي شاب هي خيارات قليلة جدا ولا يوجد تيارات متعددة‏.‏ هذا أوجد عددا قليلا من المثقفين اكتسبوا ثقافتهم بجهود شخصية لاسباب متعددة‏.‏ فعناصر الثقافة المؤثرة في الانسان منذ الطفولة مثل المسرح والسينما غير موجودة‏,‏ وبالتالي فهو ينشأ في اطار ثقافة تقليدية‏..‏ الآن بدأت محاولات لتجعل مجتمعنا ينطلق‏..‏ عقب اجابته عن سؤالي الأخير في حوارنا لملمت أوراقي التي أكدت سطورها بداية تحول ما لابد أنه يطرح المزيد من الأسئلة علي منوال تلك التي يطرحها القص السعودي الآن بعد أن هجر فكرة مطاردة الاجابات سابقة التحضير‏..
الآن

تعليقات

اكتب تعليقك