تصفير العداوات!.. بقلم عبد العزيز الفضلي

زاوية الكتاب

كتب 445 مشاهدات 0


الراي

رسالتي  /  المعادلة الصفرية.. في الخصومات والعداءات

عبد العزيز صباح الفضلي

 

لا يختلف اثنان على أن للخلافات بشتى مجالاتها آثاراً سلبية على أصحابها، فهي تؤدي إلى المناكفات والعداوات والانشغال بالردود، وتستنزف الوقت والجهد والطاقة، وتضعف الانطلاقة، وتعطل القدرات والإمكانات من حسن الاستثمار في الإصلاح والانتاج.

ولو تأملنا الكثير من الخلافات الموجودة في محيطنا الداخلي أو الخارجي لوجدنا أنها تتعامل بأسلوب المعادلة الصفرية، والتي تقوم على مبدأ مكسب أحد الأطراف مقابل خسارة الآخر.

لو تأملنا الخلاف بين الحكومة والمعارضة، وبين السنة والشيعة، والسلف والإخوان، والإسلاميين والعلمانيين، والحضر والبدو، الجامية والجماعات الإسلامية - بل حتى أحيانا بين أبناء النسيج الواحد - تجده في كثير من الأحيان يقوم على مبدأ الإقصاء.

ما المانع أن يتم تصفير الخلافات أو على الأقل شبه تصفيرها من أجل تحقيق المصلحة العامة، فإن كانت على مستوى الحكومة والمعارضة فالكويت فوق الجميع، وإن كانت بين السنة والشيعة فالمصلحة الوطنية مقدّمة على الاختلافات الطائفية خاصة في ما يمكن الاتفاق حوله.

وإن كانت بين أبناء التيارات الإسلامية فبلا شك فإن نصرة الدين وانتشار الفضيلة ومحاربة الفساد بشتى أنواعه وصوره، والسعي لأن يطبق شرع الله في أرضه هو الغاية الأسمى التي ينبغي أن يتكاتف من أجلها كل أصحاب التوجهات الإسلامية، وأن يلقوا بالخلافات الجانبية والهامشية وراء الظهور.

لماذا لا نُبعد المصالح العنصرية والفئوية والحزبية من حساباتنا إذا كانت على حساب خسارة الوطن.

ألسنا نحتاج إلى أن نعيش حياة الحرية الحقيقية، والمشاركة الديموقراطية النزيهة الصادقة والمعبرة بالفعل عن إرادة الشعب.

كيف يمكن أن يتحقق ذلك ونحن نعيش في زمن يصدق فيه قول الإمام الشافعي رحمه الله:

نعيب زماننا والعيب فينا

وليس لزماننا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب

ولو نطق الزمان لهجانا

وليس الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ

ويأكلُ بعضنا بعضا عيانا

من التجارب التي يمكن أن نستلهمها ونستفيد منها، تجربة حزب «العدالة والتنمية» التركي، والذي استخدم أسلوب تصفير العداوات داخليا وخارجيا منذ 15 عاما تقريبا، فمكنه ذلك من تحقيق طفرة اقتصادية، وارتقاء في المستوى المعيشي للمواطن التركي، وتطور ملحوظ على المستويين التعليمي والصحي، وتقديم خدمات للبنية التحية كإيصال المياه والغاز، والصرف الصحي، وتطوير عالي الجودة في خدمة المواصلات بشتى أنواعها، ما جعل الجمهورية التركية تدخل دائرة التنافس مع الدول الصناعية والمتقدمة.

أعجبتني الرسالة التي وجهها الرئيس التركي «أردوغان» - أيام رئاسته للوزراء - إلى المواطنين الأتراك من الأصل الأرمني بمناسبة ما يسميه البعض «مذبحة الأرمن» والتي وقعت أحداثها عام 1915 إبان الحرب العالمية الأولى، حيث وصف ما جرى لهم بأنها:

«ذاكرة آلام مشتركة للجميع... وأن ما تعرض له الأرمن كانت له عواقب غير إنسانية..» وتمنى فيها «أن يرقد الأرمن الذين فقدوا حياتهم خلال الظروف التي عصفت بالمنطقة مطلع القرن العشرين، بسلام» معربًا عن تعازيه لأحفادهم. وقال: «إنه واجب إنساني، أن نشارك الأرمن في استذكار الآلام التي عاشوها، مثل سائر مواطني الإمبراطورية العثمانية في تلك الفترة العصيبة».

إن مثل هذه المواقف هي التي تساعد على تقوية الصف الداخلي في مواجهة التحديات، وتنقل الناس من ساحة الخصومات إلى فضاء العمل والإنتاج.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك