الجرائم الإلكترونية يُنذر بعواقب!

محليات وبرلمان

الدلال في دراسة تنفرد ((الآن)) بنشرها: صدور القانون بوضعه الحالي فيه قصور وتضارب

5149 مشاهدات 0

المحامي محمد الدلال

تنفرد بنشر دراسة قانونية متكاملة أعدها المحامي محمد الدلال تتعلق بقانون الجرائم الالكتروينة وملاحظاتها عليها، وفي ما يلي نص الدراسة أدناه:

التقدم التقنى والتكنولوجى واقع له تأثيره البالغ فى حياة ومسيرة الشعوب بل ان له تأثيره الكبير فى تقدم الدول أن أحسنت أستغلاله وتوظيفه فى أطار الحوكمة والإدارة الرشيدة , وقد يكون سبباً فى انحدار وتراجع الدول إذا تم اهمالة أو أستغلاله بصورة سلبية وبالأخص فى مجال وأد وتكميم الحريات العامه  ، وهناك العديد من الدول المتقدمة التي سارعت فى مجالات التوظيف الايجابي للتكنولوجيا التقنية الحديثة ووسائل التواصل الالكترونى من خلال  ما يسمى بالحكومة الذكية أو الالكترونية وسعت لاستحداث العديد من الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية لدعم وتعزيز هذا الاتجاه ، كما ان هناك سعى دولي كذلك فى أطار الحد من سلبيات الاستخدام السلبى لتكنولوجيا الاتصالات والتواصل عبر تجريم المخالفات والتجاوزات التى تتم من خلال وسائل التواصل الالكترونى وهى جرائم لها واقعها المادى والتقنى ويتم ارتكابها من خلال وسائل التواصل الالكترونى كجرائم التزوير وانتحال الشخصية وجرائم العنف والجرائم الجنسية والمخلفة بالشرف إضافة إلى الجرائم ذات البعد الدولى كالتجسس وخلافه .

ودولة الكويت وعلى الرغم من تبنى العديد من أفراد ومؤسسات القطاع الخاص وكذلك بعض الجهات الحكومية استخدام التكنولوجيا الحديثة فى التعاملات والتعاقدات والخدمات الالكترونية  إلا أن دولة الكويت تعتبر متاخرة جداً مقارنة مع غيرها من الدول في الجوار وعالميا فى تبنى ادخال تكنولوجيا التواصل والاتصال فى أنظمتها التشريعية ، كما أن المشرع الكويتى وهو فى الأغلب الإدارة الحكومية تجنح بصورة اكبر للدور الوقائى أكثر من الدور الحضارى والتطويرى  للتكنولوجيا فاستحدثت عدد من التشريعات والنظم لمنع الأثار السلبية لتكنولوجيا الاتصالات وفي المقابل يوجد ضعف ظاهر في دعم الدور الايجابي للتكنولوجيا في تطوير الإدارة الحكومية .

ويأتى مشروع القانون المقدم من الحكومة فى شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات ضمن العقلية الوقائية لمنع عدد من المخالفات والجرائم التى تؤثر سلباُ على مسيرة الدولة والمجتمع ، ولا خلاف من حيث المبدأ من أهمية تبنى مثل هذا التوجه التشريعي للحيلوله دون وقوع عدد من الجرائم المخلة  ذات الطبيعة التقنية والالكترونية إذا كان هذا التشريع ضمن رؤية متكاملة للدولة ( مفتقدة حالياً ) لدور التكنولوجيا فى حوكمة الإدارة العامة والحكم الرشيد ، وهو امر غير مقبول قانونيا وشعبيا التركيز على المخالفات والتشدد بها مما قد يعيق الاستخدام الايجابي للتقنية الحديثه , وبصورة اكثر تركيزا يلاحظ  في مشروع قانون الجرائم الالكترونية المقدم من الحكومة والمقر في المداولة الأولى في المجلس الحالى السرعة في مناقشة المشروع واعتماده  دون مراعاة العديد من الاعتبارات الدستورية والقانونية والفنية الامر الذى من شأنه في حال اعتماده بصورة نهائية ان يخلق مشاكل وعقبات أكبر للعديد من المبادئ الدستورية وبالأخص فى مجال الحريات العامة ناهيك عن عرقلة الإدارة الالكترونية فى القطاعين العام والخاص وصعوبة تناوله قضائيا .

وما يلى عدد من الملاحظات التى تضمنها مشروع القانون ويتطلب معالجتها بصورة جذرية وأساسية .

أولاً : تضمن مشروع قانون الجرائم الالكترونية عدد من المصطلحات التى جاءت مبهمة وغير محددة مما يجعل النص القانونى فاقد لقوته ومن شأنه أن يخلق مشاكل فى التطبيق والممارسة والتناول عند المستخدمين وجهة الإدارة والقضاء بصورة عامه , فعلى سبيل المثال ورد فى الفقرة (4) من المادة ( 4 ) من مشروع القانون عبارة ' المساس بالاداب العامة ' وهى عبارة فضفاضة وغير محددة , كما خلت المذكرة الايضاحية من تحديد المقصود منها وهو الامر سيجعل مفهوم مخالفة الاداب عرضة للتاويلات والتفسيرات العديدة مما يجعل النص يفقد التحديد المطلوب تشريعا وعموما فان الفقرة المذكورة ككل بحاجة إلى إعادة صياغة وتنقيح ، كما ورد فى المادة 10 من مشروع القانون العقوبة المقررة عند ' إنشاء موقعاً لمنظمة ارهابية أو لشخص ارهابى...' !! , ومن المعروف أن مصطلح الارهاب وتحديد هوية الارهابى من عدمه من القضايا الجدلية دولياً ولا يوجد معايير لها تحدد من هو الارهابى من عدمه  ومن هي المنظمة الإرهابية من خلافه ، كما أنه من جانب آخر فان دولة الكويت ليست لديها مرجعية قانونية لتحديد الأفراد أو المؤسسات او المنظمات ذات الصبغة الارهابية ولذلك فأن هذا النص حمال أوجه وسيوقع الإدارة العامه  والقضاء فى اشكاليات كبيرة لا يحمد عقباها وكان الأجدر عند صياغة مشروع القانون الاقتصار على تجريم العنف ووسائله المعروفة والمحددة مسبقاً فى الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية .

ثانيا : ورد فى الفقرة (1) من المادة (3) من مشروع القانون الاشارة الى تجريم الدخول الغير مشروع على ' بيانات أو معلومات حكومية سرية' !! , ومن المعلوم أن النظام التشريعى الكويتى قاصر فى هذا الاتجاه ولا يوجد تشريع يحدد المعلومات والبيانات السرية لدى مؤسسات الدولة , ولا يوجد تنظيم قانونى يحدد الجهة التى لديها سلطة تحديد سرية المعلومات والبيانات من عدمها , وبالتالى فأن القانون يضع نصاً لا تتوافر أساسياته العملية ويتطلب قبل اعادة صياغة تشريع يتعلق بالمعلومات السرية الحكومية ومن يحدد سريتها وذلك فى اطار الدستور والشفافية المطلوبة وفقاً لحقوق المواطنين الدستورية .

ثالثا : من الملاحظات الأساسية ذات الطبيعة الفنية والتقنية وكذلك القانونية اعتماد مشروع القانون المقدم على ذكر مخالفات وجرائم ومن ذلك ذكر مصطلح  'التزوير' كما ورد في  الفقرة 2 من المادة 3 من المشروع , ومصطلح 'الاحتيال' كما ورد في الفقرة 3 من المادة 4 من المشروع , و 'التنصت' كما ورد في  الفقرة 5 من المادة 3 من المشروع , وقد خلا المشروع من بيان التعريف والمفهوم القانونى والتقنى لهذا الفعل , ولا يصح أن يعمل او يعتمد على التعريف القانونى للجرائم المذكورة كما وردت في  القواني الجزائية نظرا لان تلك الأفعال المرتبطة بالقوانين الجزائية تفترض أعمال مادية ملموسة يقوم بها الفرد اتجاه الأخرين، اما الجرائم التقنية والالكترونية فانها تختلف كلياً في الممارسة المادية وهو ما يتطلب معه تحديد وتعريف تلك المصطلحات والجرائم بشكل واضح وجلى وهو قصور بين في هذا المشروع المقدم.

رابعا : ورد فى الفقرة (4) من المادة (3) من من مشروع القانون تجريم فعل 'التهديد' 'والابتزاز' فى الشبكة المعلوماتية إلا أن الفقرة انتهت بذكرة عبارة ' القيام بفعل أو الامتناع عنه ' وهى عبارة غير محددة وغير واضحة وبالأخص فى مجال الحريات العامة فالكثير من النقد السياسى والاجتماعى يطول من يتصدر فى الشأن العام ومحل النقد فى طياته عبارات وكلمات قد تفهم أنها فى مجال التهديد والابتزاز وكان الأولى أن تستبدل العبارة تلك بعبارة أخرى افضل واكثر وضوحا وهى ' القيام بفعل غير مشروع قانوناً ' .

خامسا: بالاطلاع على تقرير اللجنة التشريعية فى المجلس الحالى بشأن مشروع القانون المقدم من الحكومة أن اللجنة المذكورة لم تبذل جهد أكبر فى بحث ومناقشة المشروع المقدم , فاللجنة التشريعية غيبت اراء عدد من الجهات المهمة والمعنية بتطبيقات القانون المقدم , فعلى سبيل المثال كان يفترض من اللجنة التشريعية دعوة ممثلى إدارة الجرائم الالكترونية بوزارة الداخلية لبحث جوانب المشروع المقدم من واقع الممارسة العملية ، كما أنه يفترض أخذ رأى الجهاز الفنى لتكنولوجيا المعلومات واخذ راى كذلك هيئة  تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات المستحدثة أخيراً كما أنه غيب دور المجتمع المدنى من خلال عدم دعوة جمعية الحاسب الآلى لابداء الرأى الفنى والقانونى  بشان المشروع  , ولا يصح قول اللجنة ان الحكومة قد اخذت اراء تلك الجهات مسبقا قبل تقديم المشروع , فالممارسة البرلمانية السابقه تؤكد على دور مجلس الامه  في استمزاج الآراء وتمحيصها من الجهات المعنية والتي غالبا تكون النقاش معها بصورة مباشرة مفيد جدا , ويعتبر تغييب تلك الاراء سبب اضافى أخر فى قصور القانون المقدم .

سادسا : تغافل مشروع القانون المقدم حقيقة أن هناك واقع قائم تشريعى وتنظيمى وعملى , وانه من الصعوبة اعمال وتنفيذ القانون مباشرة بعد إصداره , وأن تطبيق القانون فور صدوره سيجعل الدولة والأفراد والمؤسسات فى وضع صعب فى التطبيق,  وكان الأجدر أسوة بتشريعات دولية أخرى فى ذات الاتجاه أن يوضع نص  محدد يترك من خلاله فترة زمنية لا تقل عن سنة أو اكثر وذلك لتوفيق الأوضاع وبما يحقق تطبيق امثل للقانون وحتى تقوم قطاعات الدولة المختلفة والأفراد بمراعاة نصوص القانون وهو أمر يستوجبه العدالة وحسن الإدارة .

سابعا : نظراً لطبيعة الدور الخطير والحساس الذى تحيط به وسائل التكنولوجيا الحديثة الماسة بالأفراد فأن ما ورد فى المادة (15) من مشروع القانون المقدم يجعل أطراف الضبطية لدى موظفين يحددهم الوزير المختص ( لم يحدد المشروع الجهة ولا الوزير المختص بتولى مهام تطبيق القانون ) ويوكل لهؤلاء الموظفين ضبط المخالفات وتحريرها , ومن المهم أعادة صياغة المادة المقترحة فى المشروع نظراً لتعارضها مع مبدا الخصوصية والسرية المنصوص عليها فى الدستور والتشريعات الأخرى وذلك من خلال قيام افراد الضبطية بالرجوع إلى النيابة العامة لأخذ الأذن المسبق فى حال قيامهم بأدوار تنفيذ القانون وضبط المخالفات بالدخول أو كشف المعلومات الخاصة بالمؤسسات والأفراد , وبخلاف ذلك فان القانون المقدم يضع لموظفين صلاحيات كبرى لتجاوز حقوق الأفراد والمؤسسات .

ثامنا : أغفل مشروع القانون الاشارة إلى أن طبيعة التواصل الالكترونى والتكنولوجى ذات أبعاد دولية في الاطار الفني والقانونى وليست مقتصرة على أقليم أو دولة محددة ، وبالتالى فأن الكثير من برامج واليات العمل في الشبكات الالكترونية ووسائل التواصل عبارة عن شركات تأسس وتدار من خارج الكويت  ويخضع من يتعامل معها لتشريعات الدول التى أسست لديها تلك الشركات والمؤسسات فعلى سبيل المثال شركة  'تويتر' أو شركة 'فيسبوك' شركات أمريكية وتخضع للقانون الأمريكى وما يعرض فيهما من أراء وتوجهات وممارسات مهما كانت طبيعتها تخضع لنظم هذه الشركات والقوانين الامريكية , وليست مقتصرة على تشريعات وقوانين دولة الكويت وهو ما يدخلنا ضمن ما يسمى بتنازع القوانين ذات البعد الدولى ، والمشروع المقدم من الحكومة لا يراعى طبيعة التكنولوجيا الحديثة التي  تنشأ وتأسس خارج الاختصاص المكانى لدولة الكويت ولا تستخدم وفقاً للتشريعات الكويتية بل أنها تخضع لأنظمة دستورية وتشريعية مختلفة وهو الأمر الذى يتطلب مزيد من الدراسة والمراجعة من قبل المشرع في هذا القانون اسوة مع عدد من تشريعات جرائم التكنولوجيا التي راعت هذا البعد في نصوصها وذلك حرصا لمنع التعارض ولعدم الاخلال بالحقوق والواجبات المقررة فى اتفاقيات وتشريعات دولية مختلفة.

تاسعا : اتفق تماماً مع الدراسة التى أعدها الزميل المحامى والصحفى الأستاذ حسين العبدالله والمنشور فى جريدة الجريدة عدد 2710  ليوم الأحد 14 يونيو 2015 بعنوان جرائم التقنية من مشروع مواده منظمة فعليا بقانونى المعاملات الالكترونية وهيئة الاتصالات ! وهى دراسة قيمة انتهت إلى أن هناك ازدواجية فى النصوص التشريعية الكويتية وازدواجية فى تحديد المخالفات والجرائم وهو الأمر الذى سيجعل القانون المقدم عقبة وسيترتب عليه مشاكل كبيرة فى التطبيق والتناول الإدارى والقانونى والقضائى .

وختاماً فأن واجب المشرع  وفقاً للدستور أن يحرص أشد الحرص أن يعد ويصدر التشريع متوافقاً مع الدستور ومتماشياً مع التشريعات القائمة وملتزماً بالمواثيق الدولية ذات الصلة ومن أهم أبعاد نجاح التشريع ومن ذلك تشريعات الحد من الجرائم الالكترونية أن يراعى فيه اعتبارات خصوصية الأفراد والمؤسسات وعدم تجاوز الحريات العامة وهنا نؤكد ان صدور القانون في وضعه الحاليى او بتعديلات طفيفه يعد كارثه تشريعية لها اثار سلبية عديدة تمس الإدارة العامة ومؤسسات الدوله والافراد مما يستوجب معه فى ختام هذا البحث أن يعاد النظر فى مشروع القانون المقدم من الحكومة وان يعاد الى اللجنة المختصة في المجلس لمزيد من الدراسة والبحث ودعوة المختصين , ومن جانب تشريعى فنى اخر فان تخصيص قانون للجرائم قد يساهم في ازدواجية القوانين الامر الذى يتطلب معه التفكير جديا بان تكون نصوص المشروع المقدم بعد تعديله تضاف كفصل او قسم خاص في قانون قائم كقانون الجزاء او قانون المعاملات الالكترونية وذلك بما يحقق التكامل وعدم التعارض ويراعى الاعتبارات الفنية والتقنية والقانونية .

المحامى محمد الدلال
الكويت 15 يونيو 2015

كتب - محمد الدلال

تعليقات

اكتب تعليقك