محمد السبيعي يكتب عن عطلة السبت بين الدين والعلمانيه
زاوية الكتابكتب يوليو 17, 2007, 7:28 ص 548 مشاهدات 0
بيت القصيد
بين الخميس العلماني والسبت الروحاني..
خرافة المزايا الاقتصادية والمالية والتقدمية و..و.. لعطلة السبت!
لا أدري لماذا كلما فكرت في الجدل الدائر حول ابدال الخميس بالسبت عطلة خطر
ببالي ذلك النموذج الانكليزي في صناعة السيارات, حيث يأخذ السائق مقعده في
الجهة اليمنى عوضا عن اليسرى كما هو في الحال في اوروبا واميركا. ولعل صناعة
السيارات الانكليزية تتكبد بذلك تكاليف جمة من تغيير لخطوط الانتاج بين
سيارات للاستهلاك المحلي واخرى للتصدير, كما انها تفوت على قطاع السيارات
المستعملة فرص اعادة التسويق في اسواق اوروبية وغير اوروبية. رغم ذلك فان
احدا في بريطانيا, سواء من صناعة السيارات او من غيرها لم يسق هذه الاعتبارات
الوجيهة اقتصاديا مطالبا بالغاء النموذج الانكليزي. لم يقل ذلك احد, بل لم
يخطر ببال احد ان يقول ذلك. فالامر وان تعلق بمجرد مركبة تصنع من الحديد
والصلب الا انه يمثل بذلك احدى علامات الاسلوب الانكليزي في الحياة وتقليدا
لشعب يحترم نفسه.
قرار حكومة هذا البلد بالغاء عطلة الخميس واعتماد السبت مع الجمعة عطلة
اسبوعية يحمل بالنظر الى استتباعاته والى ما سبقه من ارهاصات اكثر من مدلول
مبدئي حول ازمة دولة. فهو على هذه الشاكلة التي يشطب بها بجرة قلم يوما طالما
ارتبط بوجدان هذا المجتمع يمثل بحق اعتداء على موروث هذا المجتمع واستخفافا
بتقاليده. فيوم الخميس كما يعلم اهل المشرق والجزيرة العربية, واهل هذا البلد
على وجه الخصوص طالما كان شاهدا على افراحهم وموعدا لاجتماعهم وسجلا
لمناسباتهم. ولذا فهو اكثر ايام الاسبوع ظرفا وافعاما بالذكريات. وهو كذلك
يأتي في الترتيب المناسب, حيث يتمكن افراد المجتمع من قضاء حوائجهم قبل
الاستغراق في سكينة يوم الجمعة, استعدادا للانطلاق مع بداية الاسبوع الذي
يليه. ازاء هذه المكانة التراثية والرمزية ليوم الخميس ليس لاحدهم ان يبسط
الامور تبسيطا مخلا ويقول السبت عوضا عن الخميس, يوم بيوم! ثم يلف بعدها لف
المتفيقهين ليقول بانه لم يرد نص على وجوب العطلة يوم الخميس. نحن نعلم ذلك,
ونعلم اكثر من ذلك بان اية الجمعة تدعو بمجرد انقضاء الصلاة للانتشار في
الارض وابتغاء فضل الله. لكننا نتساءل من منطلق علماني لم السبت الروحاني
اصلا بديلا عن الخميس?!
ومثلما يحمل ذلك القرار دلالة استخفاف جهاز الحكم بالموروث الثقافي للمجتمع
الذي يفترض المحافظة عليه وابراز تميزه ان وجد, فانه يكشف بالنظر الى
ارهاصاته عن ان هذه الحكومة هي بحق ذات بوصلة مضطربة. فهو يأتي محاكاة مخجلة
لما اتخذته دول مجاورة من خطوات في هذا الصدد. وفي حين اتى قرار هذا الجوار
بعد دراسات مستفيضة بحسب ما جاء في بيان هذه الحكومة لاتخاذ الخطوة نفسها,
فقد قامت هذه الحكومة باعتماد النتيجة نفسها كما لو كان الامر يملى عليها, او
انها تفتقر للمؤسسات التي تقوم في اضعف الاحوال باجراء الدراسات اللازمة. هذا
يعبر حقيقة وبلا مواربة عن ازمة حكومة.
المدهش حقا هنا هو ان تساق مبررات اقتصادية ومالية وغيرها لتسويغ مثل هذا
القرار الاشبه بالانقلاب الثقافي. والحق انه من ضلال الرأي ان يجرد المرء ما
حوله من موروث ومن رمز ثقافي ويرى ما لالغائها من مزايا اقتصادية ايا كانت.
فالدولة لم تكن يوما منشأة اقتصادية بحتة, كما ان افراد المجتمع لا يتطابقون
تماما مع مجاميع الايدي العاملة. اجل, يمثل الاقتصاد عصبا لا غنى عنه للدولة,
اي دولة, كما ان افراد المجتمع ينخرطون بشكل او باخر في العجلة الاقتصادية.
لكن الثقافي والاجتماعي لا ينبغي ان يخضعان وبهذا الحجم للاقتصادي, فان ادركت
الامور مثل هذا الحد يكون الاقتصاد قد امتطى الدولة كما يفعل حصان جامح
بفارسه. ولكن حين يصرف المرء نظرا عن ترتيب مثل هذه الاولويات ويتجاهل دلالة
النموذج الانكليزي في صناعة السيارات ويصيخ السمع لتلك التبريرات لا يجد من
بينها ما يكشف عن فائدة اقتصادية, او اضافة انتاجية يمكن ان تضيفها عطلة
السبت. بل كل ما هنالك من حديث يدور حول اسواق المال وساعات تبادل الاسهم.
وكما يعلم كل مبتدئ في علم الاقتصاد بان تبادل الاسهم لا ينمي اقتصادا او
يضيف انتاجا صافيا, فكل ما هنالك هو ان مالكي الاسهم قد تبدلت اسماؤهم, ولذا
فان انشطة من هذا النوع وان كممت بالارقام فلا تحتسب في الناتج الاجمالي. هنا
يتبين مقدار ما يقدمه المجتمع من تضحية وما يقبضه من ثمن بخس ان قبض. انها
حقا بيعة خاسرة! فلمجرد ان هناك من اسرتهم المضاربة بالاوراق المالية, ومن
جعلوا من اسواق الاسهم اشبه بصالات القمار, الان يطالب المجتمع ان يلف لفهم
ويتحلل لاجلهم عن احد اجمل ايامه, كل هذا من اجل ما لا يضيف اقتصادا بل ربما
ما يربك عجلته.
ومع ذلك فما زال هناك ما يدل على تلك القطيعة بين عطلة السبت والنمو
الاقتصادي بل وحتى بينها وبين نشاط اسواق المال. ففي النمور الاسيوية لن يضيف
ذلك الشيء الكثير سواء كانت العطلة يومي السبت والاحد, الاثنين والثلاثاء,
حتى لو شاء الاسيويون ان يعملوا سبعة ايام في الاسبوع. ففارق التوقيت بين هذه
الاسواق واسواق اوروبا واميركا والذي يصل لاكثر من يوم عمل يجعل من غير
الممكن التزامن بين الجانبين من العالم. فحين تفتح اسواق طوكيو وكوالالمبور
وغيرها تكون اخر اسواق الغرب في نيويورك قد اغلقت منذ ساعات, وحين تباشر
اسواق اوروبا ابوابها تكون اسواق اسيا قد اغلقت منذ ما يقارب يوم عمل كامل.
ومع ذلك فلم يضر هذا الفارق السرمدي باقتصاديات اسيا ولم يمنعها من تبوؤ
المراكز المتقدمة من حيث النمو الاقتصادي وتوطيد الدعائم المتينة لهياكل
التنمية.
اذا ليس هناك كما يشاع من مبررات اقتصادية او مالية يعتد بها لتلك التضحية
الثمينة بيوم بمثل رمزية يوم الخميس وظرافته. فأي دوافع حقيقية تقف خلف من
ينادي بشطب الخميس عطلة وتعيين السبت بديلا لذلك? الحق ان ذلك لا يخرج عن
سياق تطور هذا المجتمع منذ عقود وفي اطار الحلقة التي استحكمت حوله, والتي
تديرها كل من طبائع النمط الاستهلاكي التي احكمت رقابتها على سلوك افراد هذا
المجتمع من ناحية, ومأساة هذه الحكومة الوارطة التي اصبح ابسط قراراتها ليس
ملكا ليمينها من ناحية اخرى. فالعقل الاستهلاكي يقف خلف مثل هذه الخطوات التي
تتوجه نحو اطالة لحظات الاستهلاك, وحتى وان جرفت مثل هذه الخطوات في طريقها
ما ورثه المجتمع من ماضيه ويزهو به في حاضره. فمثلما لا نعرف منذ سنوات عديدة
عطلة يوم اثنين او ثلاثاء لان احدهم اراد بترحيل كل عطلة الى يوم السبت اطالة
نهاية الاسبوع حتى يتسنى له الاستغراق في الاستهلاك, مما يفرغ مثل هذه العطل
من دلالتها التاريخية والثقافية, وهو امر بالمناسبة لم يستنكره عليه المجتمع,
مثل ذلك تأتي هذه الخطوة غير المستغربة استكمالا لذلك ولمواءمة نهاية اسبوع
هذا البلد مع غيره من البلدان التي طالما كانت مقصدا لتكثيف الاستهلاك.
والحق اكثر من هذا ان اشكالية الوقت تمثل تحديا مركزيا للعقل الاستهلاكي.
فوعي الوقت يكشف لهذا العقل محدودية انتاجيته وخوار قدرته على الفعل. لذا تجد
ممن يطالب بابدال الخميس بالسبت من السفهاء من يرى في ذلك حيلة ليمضي الاسبوع
سريعا. ولكن هل قال احد ان العقل زينة? ففي دولة الامارات العربية المتحدة
يشكو بعضهم الان من ان الاسبوع الجديد الذي يمتد حتى يوم الخميس اصبح طويلا
على نحو ممل.
* كاتب وأكاديمي كويتي
د.محمد بن عَصّام السبيعي*
السياسه
تعليقات