علي الطراح يكتب عن مواجهة عنف العقول!

زاوية الكتاب

كتب 857 مشاهدات 0

ارشيف

التعصب والتطرف والعنف ظواهر اجتماعية لها أسبابها إلا أننا في البلاد العربية لا نهتم كثيراً بفهم أبعاد وأسباب مثل هذه الظواهر بخلاف ما يحدث في الدول الأخرى، التي تضع في الاهتمام أسباب تفاقمها وكيفية التعامل معها. فالظاهرة الدينية الراديكالية لم تكن نبتة دون وجود من يسقيها ويرعاها، فهي ظاهرة اجتماعية معقدة نمت عبر عقود من الزمن في ظل ظروف اجتماعية تحمل في طياتها كثيراً من التناقضات. وقد نشرت دراسة معمقة في مجلة «السياسة الخارجية» في عام 2003 حول تطور الظاهرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. وتقول الدراسة إن كثيراً من الشباب الأوزبكيين تدربوا في مدارس دينية كانت ترفع شعار «من دون السيف لا يمكن أن يكون هناك إسلام حقيقي»! والشعار كان من ضمن مجموعة من كتابات ورسومات استطاع فريق البحث الحصول عليها، وقام بتحليل محتوياتها ضمن أطر علمية يشارك فيها عالم النفس والاجتماع والسياسة وعلم الخرائط وتحليل الرسومات.

وتشير الدراسة إلى نقطة في غاية الأهمية عندما تصف أولئك الشباب بقولها: «لا نعرف مدى معرفتهم بالإسلام، وربما كانت ضئيلة»، وكان جل اهتمام هذه المجموعات ينصب على تنمية روح العنف عبر دروس مكثفة، واستنتجت الدراسة أن هؤلاء خضعوا لدروس قاسية اخترقت عقولهم، فهم يستبدلون الحياة بالموت، وسلاحهم الموت الذي يحاربون به المعدات العسكرية المتطورة، وهم يدركون أن الحياة تعني الكثير لمن يحاربونه بينما هم يائسون وفاقدو أمل ويتوقون للموت ويبحثون عنه!

وتصف الدراسة تعليم هؤلاء الشباب بالمتدني من حيث المعلومات العامة بينما تعلموا كيفية صنع الألغام وتدربوا على تفجير السكك الحديدية ومحطات الطاقة، وتدريبهم كان ينصب على تحمل الظروف القاسية والحرارة العالية في الصحراء، وتحمل الأجواء الباردة، كما تعلموا صناعة السموم وكيفية استخدامها عندما يؤمرون بتنفيذ عمليات قاتلة. وتؤكد الدراسة أن أسلوب التدريب اعتمد على مهارات نفسية خطيرة، وأن معلميهم أشخاص محترفو عنف وأصحاب سوابق وخبرات في مجال الإرهاب، وهذا ما يثير كثيراً من التساؤلات حول تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد العالم كله.


وبالمختصر المفيد، فالشبان الذين تحدثت عنهم الدراسة تم اخضاعهم لعلميات غسل أدمغة خبيثة، وهم يسيرون دون وعي بطبيعة السلوك ويتوهمون أن عملهم مقدس! وهم على قناعة بأن ما يقومون به عبارة عن عملية تطهير للنفس لكي يكفروا عن ذنوبهم وتقصيرهم! كما جاء في دفاتر إرهابية الذي نشرته تلك المجلة الأميركية. ويبدو أن التدريب كان يتم عبر إجراءات منظمة ولم تكن عفوية وخصوصاً أن الشعور الديني المغلوط كان هو الوسيلة التي أخضعت لتحقيق أهداف دموية، ويقول عالم النفس «سكينر» إن العنف يبدأ بالرؤوس قبل استخدام الفؤوس، حيث تمر دورة جنون التطرف والعنف من فكرة تخترق العقل وتتفاقم وتتحول إلى سلاح قاتل ومدمر للنفس وللآخر.


فنحن أمام تحديات حرب ضد أفكار منحرفة متطرفة، وهي حرب عصية وبحاجة إلى مهارات علمية تجعلنا نحصّن عقول هؤلاء الشباب لكي نحدّ من انتشار هذه الظاهرة التي باتت تهدد العالم أجمع. وقد انتهت الدراسة إلى أن هؤلاء الشباب يحملون في عقولهم فكرة الموت والدمار متوهمين أنهم يحققون هدف الحياة في انتقالهم إلى حياة أبدية يهنأون بها. وفي ظل تعقد الظاهرة نجد أننا مطالبون بمزيد من الجهود العلمية وليس فقط الأمنية لمواجهة الظاهرة وقد تخطت مخاطرها الحدود واستفادت من تقنية المعلومات والعولمة التي ساعدت في توسع نفوذها. وبكل تأكيد تشير المؤشرات إلى تفاقم الظاهرة في ظل تناقضات السياسة أحياناً وغياب الرؤية.

 

الآن - جريدة الاتحاد

تعليقات

اكتب تعليقك