أحمد عبدالملك يكتب - اليوم الوطني.. معانٍ وكلمات
زاوية الكتابكتب ديسمبر 14, 2015, 2:20 م 566 مشاهدات 0
تحلُّ هذه الأيام ذكرى اليوم الوطني المجيد ، والتي أُختير لها مناسبة تأسيس الدولة الحديثة على يد المغفور له بإذن الله الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني ، الذي عُرف بحبه لوطنه ، وبذلهِ الغالي والنفيس في الذوذ عن حدود وطنه ، بعد أن اعتمد على الله وقام بتوحيد صفوف القطريين تحت راية حب الوطن والولاء له.
ولقد تولى الشيخ جاسم مقاليد الحكم في قطر عام 1878 ميلادية ، بعد أن كان نائباً عن والده الشيخ محمد بن ثاني ؛ حيث اكتسب مهارات في القيادة السياسية ، إضافة إلى حكمته وقدرته على الإقناع وسداد الرأي. ولقد تحدث العديد من المصادر عن خصال الشيخ جاسم ، وتمسكه بالدين ، وقدرته على التحمل ، يقول عنه (جون فيلبي) : وكان هذا الرجل ذا سمعة أسطورية ، فاحتفظ بقوته العقلية والجسمانية حتى النهاية ، وكثيراً ما كان يُشاهد وهو يمتطي جواده مع فرقه من الخيالة كلها من أبنائه وأحفاده'.
وقال عنه أمين الريحاني : ' حارب ابن ثاني الأتراك فكسرَهم في وقعات عديدة ، وكان ولوعاً في جمع العبيد وعِتقهم ..... وهو نفسه يُعلِّم الناس الدين ويخطب فيهم خطبة الجمعة ، أضف إلى الورع والتقوى ، فصاحة اللسان ، وإلى الفصاحة ، العلوم الدينية والفقه وإلى العلوم ، الضمير الحي واليقين'.
ولقد استطاع الشيخ جاسم توحيد كامل التراب القطري وإنهاء الوجود التركي ، حيث معركة الوجبة عام 1892 ميلادية ، بعد أن رفض إجراءات الدولة العثمانية في التمركز في البلاد وإنشاء الجمارك أو تعيين موظفين أو تعزيز الوجود العسكري، لذا تكللت معركة الوجبة بانتصار الشيخ جاسم ومع معه من القطريين.
الجانب الأدبي في حياة الشيخ المؤسس تجلى في قرضه للشعر ، وكثيراً ما يقول الشعر بعد انتصاره في معاركه مع الآخرين ، ومما قاله في إحدى قصائده:
لك الحمد يا مبري كبود الغلايل .. ويا منصفٍ من كل باغي وعايل
ونحمدك يا ذي العرش والملك والعطا.. ورضى بحكمك في جميع الفعايل
بشكرٍ على السّرا وصبرٍ على القضا .. وحمل النوايب واحتمال الثقايل
ومن إحدى قصائده الشهيرة أيضاً تشكل شعار اليوم الوطني لهذا العام : دّاتنا يفرح بها كل مغبون
ويقول مطلع القصيدة :
ياالله يا والٍ على كل والي ... يا من بعلمه دبّر الفلك والكون
وفي هذه المناسبة ، يحتفل جميع أبناء قطر باليوم الوطني تجسيداً لمآثر الشيخ جاسم بن محمد ، واستلهاماً لملامح شخصيته في بناء الوطن ، والحفاظ على مقدراته ، ولمِّ شمل المواطنين حول قيم الدين السامية ، وأيضاً قيم المواطنة الصالحة.
وبهذه المناسبة نود أن نلقي الضوء على معاني الوطن والمواطنة والوطنية. فالوطن يراهُ البعض ذاك الفضاء الفيزيائي للإنسان داخل رقعة من الأرض ارتبط بها الإنسان واتحد فيها مع أمته التي شكلت هويته . بينما يرى آخرون أن الوطن هو محل الإقامة أو مولد الإنسان ، ويربطها بالواقع التنظيمي بالجنسية.
نحن نعتقد أن الوطن أرحب بكثير من التحديدات الفيزيائية ! فالوطن هو الحاضن لآمال وهواجس الإنسان ، المُعالج لآلامه ، المُفرِّج عن كرباته ، وهو تلك العلاقة الأثيرية التي تجعل الوطن حاضراً في كيان الإنسان أينما حل وأينما رحل ، وهذا يشكّل الوجدان العام لحتمية العلاقة بين الإنسان والأرض. فالأرض بلا شك وطن ، ولكنه وطن جامد غير متحرك بدون تفاعل الإنسان معه ، وبدون نشوء تلك العلاقة السامية التي تجعل الإنسان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالأرض ، مستعداً لتقديم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على سلامة ووحدة هذه الأرض . ومن هنا جاءت المواطنة كرديف أو مُكمِّل لمفهوم الوطن . والمواطنة تتخلص في الانتماء والولاء لكل قاطني الحيّز المكاني في البلاد ، مهما كانت هنالك من اختلافات عرقية أو مذهبية أو دينية داخل الوطن الواحد الذي يحتضن الجميع ويدينُ الجميع له بالولاء ، وهم مستعدون للدفاع عنه والحفاظ على مكتسباته الحضارية والتاريخية والثقافية . ومن معاني المواطنة السامية المشاركة في تنمية الوطن مع ترسيخ مفهوم التعايش السلمي المشترك بين جميع ساكني الوطن. وفي ظل المواطنة تتحقق عملية الوفاء بالواجبات في مقابل التمتع بكافة الحقوق.
أما الوطنية فهي قريبة من المواطنة ، ولكن من زاوية المواقف الإيجابية التي يتخذها المواطن تجاه وطنه ، مثل : الفخر بالإنجازات ، ترسيخ الثقافة العامة ، تحديد الهوية العامة لمواطني الإقليم والمحافظة عليها . ولقد تم التعارف على أن الوطنية في أيام السلم تتجلى في احترام العَلّم ، تقدير وترديد النشيد الوطني ، إبداء مشاعر الولاء ، إعلان مساندة الدولة في سياستها السلمية مع الدول الأخرى وتوطيد العلاقات مع شعوب تلك الدول. أما في زمن الحرب فتتشكل الوطنية على أسس المشاركة في رفع الروح المعنوية لجنود الوطن ، والمساهمة في تأييد كل الإجراءات التي تقوم بها الدولة من أجل ردع العدوان والمحافظة على سلامة أراضي البلاد وإنسانها وثرواتها.
ومن هنا وردت تعاريف عدة للوطنية ، مثل : الوطنية- تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه ، الوطنية – انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل جنسيتها ويُدين لها بالولاء.
وترتبط الوطنية أيضاً بالجانب العاطفي للإنسان ، من حيث تعلق الإنسان بالوطن ، وشربه لمائه ، وصداقاته للآخرين من أبناء بلده ، ومن هنا نلاحظ التوق العاطفي وبروزه عند عزف النشيد الوطني ،أو تحية العَلَم لدى الطلاب ، أو سماع أغنية وطنية في الغربة ؛ حيث تغرورق عين المواطن بالدموع ، ونلاحظ ذلك أيضاً عندما يفوز منتخب البلاد الوطني في مباراة هامة .
ويرى علماء الاجتماع أن الوطنية تتحدد بشعور الإنسان بالانتماء والولاء للوطن وقيادته السياسية التي تحقق الأمن والاستقرار داخل الحيّز الجغرافي ، وتحميه من العدوان والمخاطر ، خارجية كانت أم داخلية. ولقد جسّد الشاعر العربي أحمد شوقي حبَّ الوطن خير تجسيد عندما قال :
وطني لو شُغلت بالخُلدِ عنه نازعتني إليهِ في الخُلدِ نفسي
وبهذه المناسبة السعيدة نرفع إلى مقام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وللشعب القطري الكريم أسمى آيات التهاني ، مؤكدين استمرار المسيرة المباركة المبنية على حب الوطن والذود عنه ، وبقائه نابضاً داخل عقولنا وقلوبنا ، وهو الذين يعيننا على الولاء له والإخلاص في عملنا لكل ما هو خير لهذا الوطن . وهذا ما نُعلّمه لأبنائنا وأحفادنا . وكلنا اليوم نرفع راية ( الأدعم) التي ظلت خفاقة دوماً فوق تراب هذا الوطن ، في دلالة على الفخر والمواطنة الصالحة.
تعليقات