كثيرة هي الدول التي ليست العدالة فيها حقيقية.. كما يرى محمد الشيباني

زاوية الكتاب

كتب 782 مشاهدات 0


القبس

العدل في الصدور قبل اللسان..!

د. محمد بن إبراهيم الشيباني

 

مر قروي بمحكمة من محاكم روسيا، فرأى تمثال العدل منصوباً أمامها، فقال لأحد الوقوف، تمثال من هذا ؟ قال تمثال العدل، فقال القروي: كذا طننت، لأنه خارج المحكمة لا داخلها!
خذ الحكمة من أفواه المجانين، أو من البسطاء، أو من الأميين. والمقصد أن هؤلاء يطلقون كلماتهم من دون تصنع أو تكلف أو إعداد مسبق لها، فهي تجري على أفواههم مجرى الماء في جداوله ويخرجون من الورطات كذلك بالسجية نفسها، ومن ذلك أنه يحكى أن الحجاج بن يوسف الثقفي في إحدى رحلاته للقنص اختلى بنفسه، فإذا برجل عامي يسير، فسلم عليه فقال له ما قولك في الحجاج ـ وهو لا يعرفه ـ قال هذا أنجس الكل، سوّد الله وجهه ووجه من استعمله على هذه البلاد، فقال الحجاج أتعرف من أنا؟ قال: لا. قال أنا الحجاج. قال أنا فداك، وأنت تعرف من أنا؟ قال:لا. قال: أنا زيد بن عامر مجنون بني عجل، أصرع كل يوم مرة في مثل هذه الساعة. فضحك الحجاج وأجازه.
تنقسم الدول في العالم في تحكيم دساتيرها العدلية والقانونية إلى ثلاثة أقسام، قسم من يطبق أحكام القانون بحذافيره، وعدم الخلل فيه والحيد عنه وعن مفهومه الديني، وقسم من يميل فيه على حسب القوى المؤثرة أو المتسيدة فيه، لاسيما إذا كان ما يخص القوانين الشعبية العامة، يؤول أحكامها وفق تلك الظروف، وقد ينحرف كثيراً في الأحكام الخاصة أي قضايا الناس المالية أو الأسرية أو الجنائية بشكل عام.
أما القسم الأخير، فتمثله الدول التي تخرق فيها القوانين وتنتهك الحقوق بشكل سافر فاضح، وذلك لتفشي الفقر في هذه الدول والرشى في تغيير القوانين والعبث بها جهاراً نهاراً، أي أن الذي لا يملك قوة ولا سنداً أو ظهراً من حزب أو نفوذ مالي أو عصابات تهدد وتتوعد رجال القضاء بالويل والثبور أي بالقتل أو إتلاف ممتلكاتهم وغيرها كما هو معلوم ومشاهد في مناطق كثيرة من العالم المتحضر أو المتخلف مثل دول أميركا الجنوبية، ضاعت حقوقه، وكثيرة هي الدول التي تماثيل الحرية والقانون فيها خارج محاكمها، بل ليس فقط معصوبة أعين تماثيلها، بل العصابة على أفواهها وآذانها كذلك، أي ليست العدالة فيها حقيقية.
القضاء ـ نسأل الله السلامة ـ أمره عظيم.. ومن يتقلده فقد ارتقى فيه مرتقى صعباً.. وقد هلك فيه من هلك ونجا من فتنته بصعوبة من نجا.
.. والله المستعان. 

• من لا خير فيه:
«وكل من لا خير فيه يرتجى 
إن عاش أو مات على حدٍّ سوى».

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك