مزبلة التاريخ تنتظرهم!

زاوية الكتاب

عن ذوي النفوذ والإستحواذ على الملعب السياسي المتوارث- يكتب علي الطراح

كتب 3160 مشاهدات 0


 أمراض تحت «قبعة الديمقراطية»

د. علي الطراح

من لا يتعلم من أخطائه، نصفه بالعاجز عقلياً، ولا يبدو لي أن العرب يشكون من العجز العقلي بقدر ما أصيبت الثقافة بمرض عضال، ومن أشهر القول ما قاله الإمام محمد عبده: «ذهبت للغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكن لم أجد إسلاماً». قالها عام 1881. فالقول وإنْ كان عن المسلمين إلا أن العرب هم المعنيين تاريخياً.

يقول الكاتب المصري توفيق الحكيم في مقالات نشرها قبل 77 سنة، نشر بعضها الكاتب رشاد كامل في مجلة صباح الخير: «كتب توفيق الحكيم يخاطب منصور باشا فهمي أستاذ الفلسفة»: هناك أمر آخر يقلقني يدعو إلى قلقي على مستقبل نهضتنا، إن أول شيء يحزنني حقيقة وأرجو أن يكون استرعى نظرك على الأقل- هو أن (الكلام) له عندنا دائماً كل القيمة، أما العمل فلا يسأل عنه أحد! إن (الشكل) هو الذي يعنينا، ويخلب منا اللب، أما (الجوهر)، فلا نكاد نلتفت إليه! فتوفيق الحكيم يؤكد بعضاً من أعلام ثقافتنا التي وجدت نخرج أزمتها في كثر الكلام وقلة الفعل. ويواصل الكاتب رشاد كامل بمقتطف من مقاله لتوفيق الحكيم بعنوان الحرب بكل الأسلحة: «كارثة أخرى من الكوارث التي نكبت بها مصر هذا الغلو والإغراق في الخصومات، فإذا اختلفنا على رأي فنحن أفيال هائجة تدوس كل شيء وتحطم كل شيء». ويشير توفيق الحكيم إلى أخلاقيات فقدناها في خصومتنا، ما يؤكد الاعوجاج المتوارث في ثقافتنا التي حولت منابر صحفية والفضاء الإلكتروني إلى مذابح ومعارك شرسة، تتسم بغياب الأخلاق وفقدان الشجاعة في المواجهة.

وإن كان توفيق الحكيم يتحدث عن مصر إلا أن ما قاله ينطبق على معظمنا، حيث ذوي النفوذ على تأسيس عصابات تتقاضى المال للنيل ممن يختلف معهم، والكارثة أن السياسيين من يتبوأون المناصب السياسية دخلوا على الخط واستحلوا لعبة الفضاء الإلكتروني، وتحول المشهد إلى عناق بين المال والسياسة لتدمير الصالح العام مقابل الحفاظ على المصلحة الخاصة. ويواصل الحكيم مقالته بقوله. فالديمقراطية ليست كلمة تقال في الخطب لأنها جميلة ذات رنين، ولا هي بناء شامخ يسمونه (البرلمان)، ولكن الديمقراطية هي روح المساواة والإخاء وحرية الفكر المكفولة للجميع! ويواصل الحكيم وصفه قبل 77 سنة لكثير من السلوكيات المشينة التي نشاهدها اليوم تحت قبعة الديمقراطية، التي فرزت لنا أمراض الانقسامات الاجتماعية المختلفة، وعملت على تدمير جسد المجتمع ونشرت العلل التي عادت معطلة للنهضة والعمل المشترك.

فالكتابات التاريخية كثيرة التي تؤكد لنا طبيعة المرض الثقافي الذي أصاب الأمة وتمكن منها، مما يجعلنا في حيره حيال الحلول، وذلك لطبيعة أزماتنا التي تطل علينا بأشكال جديدة، وإنْ كانت هي أزمات نجترها عبر التاريخ. والخطورة أن يبقى السياسي على موقفه المتفرج دون أن يفكر في عواقب الأفعال ويدرك أن فعله يقتل الوطن، ويعطل الهمم، وينقلب السحر على الساحر في غفلة من الزمن. فذوي النفوذ يسعون للاستحواذ على كل شيء، وحتى ملعب السياسي المتوارث، لأن هؤلاء تحركهم رغبات مريضة يرون فيها أن المال يجلب كل شيء. وكما قال الكاتب غازي القصيبي، رحمه الله، إن أحد أوهامنا أننا اعتقدنا أنه بالمال كل شيء يشترى!

قد تسير الأمور على ما هي عليه، إلا أن واقع التاريخ دائماً يقول لكل مستبد نهاية، ومزبلة التاريخ تنتظرهم!

الإتحاد- مقال يفرض نفسه

تعليقات

اكتب تعليقك