المجالس البرلمانية غير مدركة لدورها الدستوري لاسيما في الرقابة على السلطة القضائية .. برأي عبداللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 800 مشاهدات 0


بين البرلمان والقضاء
د. عبداللطيف بن نخي
وفق المادة (50) من الدستور الكويتي، «نظام الحكم في الكويت يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور»، ولكن مبدأ فصل السلطات الوارد في هذه المادة لا يتعارض مع إقرار رقابة إحدى السلطات الثلاث على أخرى، وقد تكون أبرزها رقابة كلاً من البرلمان والقضاء على أداء الحكومة.

هناك عدة درجات للرقابة البرلمانية على السلطة المسؤولة عن إدارة مقدرات البلد، فهي قد تظهر في صورة تصريحات صحافية أو أسئلة برلمانية أو استجوابات قد تعقبها طلبات طرح الثقة.

وفي الجانب الآخر، لدينا تطبيقات عدة للرقابة القضائية على إدارة الحكومة لمهامها، ومنها أحكام بعزل قياديين أو بإعادة آخرين أو إلغاء قرارات ولوائح وإجراءات حكومية سارية خاصة تلك المرتبطة بتنظيم العلاقة بين الجهات الحكومية والمواطن، وقد يكون من بين أبرزها حكم محكمة التمييز القاضي بإلغاء قرار البلدية الذي يستند إلى قرار مجلس الوزراء في شأن حظر إصدار شهادات أوصاف بناء للمواطنين أصحاب المساكن المخالفة.

ما يهمني في هذا المقال هو العلاقة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والقضائية. حيث إنه يبدو لي أن توالي مجالس برلمانية غير مدركة لدورها الدستوري، في تنمية منظومة العدل، تسبب في ترسيخ علاقة أحادية الاتجاه بين هاتين السلطتين. فالأحداث البرلمانية على مر السنوات الأخيرة، تؤكد وجود رقابة من قبل القضائية على نظيرتها التشريعية في ظل غياب تام لصور رقابة برلمانية على القضائية.

كلنا نتذكر إبطال مجلسي أمة متتاليين في عام 2012 من قبل السلطة القضائية، وإن اختلفنا في آرائنا تجاه كل من التشكيلتين البرلمانيتين المبطلتين. كما نعلم جيداً بوجود رقابة قضائية على دستورية التشريعات الصادرة من البرلمان، بل إن الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية خاضعة أيضاً لرقابة القضاء من حيث مدى توافقها مع نصوص الدستور، وأضف إلى ما سبق من شواهد، المطالبات برفع الحصانة الاجرائية عن أعضاء مجلس الأمة، فهي أيضاً تعتبر من التطبيقات الرقابية للسلطة القضائية على المشرع.

في المقابل نجد أن مجلس الأمة عاجز، على مر سنين طويلة، عن تشريع قوانين لتطوير منظومة العدل الكويتية، بل من المستغرب أن عدداً من أعضائه يوافقون مبدئياً على كل طلب لرفع الحصانة البرلمانية عن زملائهم من دون تفحص الكيدية، وهم بذلك يتنازلون عن بعض اختصاصاتهم لمصلحة السلطة القضائية، في مخالفة صريحة لنصوص الدستور. لذلك أناشد نواب المجلس بالنهوض بدورهم الدستوري تجاه السلطة القضائية من خلال تبني مشاريع قوانين لزيادة معايير النزاهة والشفافية في منظومة العدل الوطنية لتواكب نظيراتها في الدول المتقدمة، فضلاً عن مراجعة القوانين الجارية لتعزيز الحقوق المدنية والحريات فيها. ولابد هنا من التأكيد على أنني لست بصدد تقييم السلطة القضائية بل أدعو لتحديث منظومة العدل لتواكب متطلبات العصر.

لاشك بأن تعريف الاستقلال السياسي والسيادة الوطنية تغيرا كثيراً منذ ظهور مفهوم القرية الكونية وتطبيقاته. فتم إنشاء مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة والمعني بقضايا حقوق الإنسان في هذه القرية. وأيضا هناك مؤسسات حقوقية أخرى ليست تابعة للأمم المتحدة ولكنها عالمية غير حكومية ومنها على سبيل المثال منظمة العفو الدولية، وهي لا تقل أهمية وتأثيراً من مجلس حقوق الإنسان الأممي. فالمجتمع الدولي اليوم يؤمن بأن حماية حقوق الإنسان مطلب كل البشرية ومسؤولية مشتركة بينهم.

بعيداً عن آرائنا الشخصية في تلك المؤسسات الأممية والعالمية والأهداف من ورائها، فإن تنقية القوانين الكويتية مما يتعارض مع الحقوق المدنية والحريات، وتطوير معايير النزاهة والشفافية في منظومتنا للعدل، ضرورتان وطنيتان لأنهما تلبيان متطلبات خطط التنمية المستدامة وتخدمان رؤية تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي وتستجيبان لنداءات المنظمات الحقوقية وتحسنان موقع الكويت الحضاري والسياسي في المجتمع الدولي. بل أنهما سيعززان إحساسنا بالعدل الاجتماعي وسيرسخان السلم الاهلي... وبهما نبني سورا جديدا لنحمي كويتنا من الارهاب.

****
كم كنت أتمنى أن يقرأ النائب نبيل الفضل هذا المقال، فقد كان فارساً في الإصلاح ونبيلاً في بر قسمه الدستوري، فلذلك فضل عناء التصدي لأعداء الديموقراطية على مكاسب مهادنتهم. ولن ننسى كم سعى في إصلاح ديموقراطيتنا حتى في آخر تصريح له، فاستحق لقاء ربه في قاعة عبدالله السالم. أسأل الله الرحمة له والصبر والسلوان لأهله ومحبي الديموقراطية.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك