هل فشل الانقلاب في تركيا فعلا؟..يتسائل محمد الوهيب

زاوية الكتاب

كتب 513 مشاهدات 0

محمد الوهيب

النهار

رأي- تركيا: هل فشل الانقلاب فعلا؟

د. محمد الوهيب

 

يدور كثير من اللغط هذه الأيام بالطبع عن الانقلاب في تركيا، وغالبا ما يدور النقاش في فلك السؤال: أكان أردوغان على علم به أم لا؟ هل كان هذا الانقلاب مسرحية؟ لن أحاول فيما يلي من سطور أن أدخل طرفا في هذا النقاش. ما يهمني هو أن الانقلاب قد فشل واقعيا وبأن أردوغان قد خرج منه بشكل أقوى مما سبق بكثير. والقضية التي نطرحها للنقاش هنا هو ما حدث بعد الانقلاب حتى اليوم، مع العلم بأن الأحداث تتسارع بشكل مخيف كل يوم، بل كل ساعة.

ما ترتب على هذا الانقلاب هو أن ما يقارب 99 من كبار رجالات الجيش وأركانه الأساسية قد تم اعتقالهم، هذا يعني تقريبا وبلغة الأرقام ثلث القادة الكبار للجيش التركي. لم تتوقف المسألة هنا، فلقد طالت الاعتقالات أيضا ما يقارب 2700 قاض من هيئة المحاكم التركية، والأهم في هذا الأمر هو أن اعتقالات القضاة تمت بعد مرور أقل من 24 ساعة على الانقلاب الفاشل. تختلف الأرقام بين ما أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان وهو ما يقارب 9000 شخص، وبين ما تشير له وسائل اعلام كثيرة بل وتكاد تجمع على ذلك. تتحدث وسائل الاعلام عن اعتقال ما يقارب الخمسين ألف مواطن تركي ومنع سفر شمل «كل» الأكاديميين. نعم كل الأكاديميين في مدارس تركيا الخاصة والحكومية. البعض تحدث عن بدء حملة الاعتقالات هذه قبل بداية الانقلاب، وهو ما يثير حفيظة البعض ليعتبر الانقلاب هذا مجرد مسرحية للتخلص من أعدائه. الحقيقة أن ما يحدث اليوم في تركيا هو البداية خاصة بعد اعلان الرئيس عن مرحلة حالة الطوارئ التي ستمتد لثلاثة أشهر كاملة قابلة للزيادة.

من هو الهدف الرئيسي لاردوغان من وراء هذه الحملة العنيفة؟ لقد أعلن الرئيس التركي ذلك في مقابلته مع قناة الجزيرة: الهدف هو غولن الموجود في الولايات المتحدة، أو «الكيان الموازي» كما اصطلح الكثير على تسميته. وقد تكون الطائفة العلوية والتي يقدر عددها ب 15 مليون نسمة هي الهدف بالنظر لتحكمها في العديد من المؤسسات والأجهزة الحكومية. الأمور تتجه لاتهام فتح الله غولان أو غولن بكونه العقل المدبر لهذا الانقلاب، وهو نفسه غولان الذي كان متحالفا مع اردوغان في السابق. يبدو أن غولان هو الهدف من هذا التحرك الكبير باتجاه الاعتقالات. فتح الله غولان، وهو الذي يمتلك تصورا منفتحا للاسلام رافضاً لتطبيق الشريعة هو فارس الاسلام المحبب من الغرب، أو هو الوجه الذي يريده الغرب للاسلام. ففي الوقت الذي ينادي فيه كل المشايخ المسلمين بوحدة العالم الاسلامي لا يرى غولان ضرورة لهذه الوحدة. أتباع غولان في تركيا والعالم يحملون نفس التصور المنفتح للاسلام ولكنهم منتشرون بصورة كبيرة في المجتمع التركي بكل مؤسساته وأجهزته، بل انهم يدفعون ما يقارب 20 في المئة من دخولهم للحركة الغولانية لتمول مجلاتها ومدارسها وجامعاتها وقنواتها التلفزيونية.

ما يهمنا من كل هذا السرد هو التذكير بأن ما يواجهه أردوغان اليوم ليس حركة انقلابية محدودة في ضباط الجيش، أو بعض الأكاديميين أو القضاة المعارضين، ما يواجهه الرئيس التركي هو انقسام مجتمعي كبير لا يمكن التغلب عليه من خلال حركة الاعتقالات هذه بسهولة. هذا الانقسام يعبر عن خلل في منظومة الحكم في تركيا، تفسره تحركات اردوغان الحثيثة للسيطرة على مقاليد الحكم والمؤسسات بكل أشكالها وصورها، هذه التحركات التي تغذيها ايديولوجيا الاخوان المسلمين التي يعتبرها الكثيرون من أبناء الشعب التركي مهددة للارث الديمقراطي العلماني التركي. لا يهمني هنا تقييم الانقلاب على الاطلاق، ما يهمني هو أن هذا الانقلاب قد أصبح مؤشرا مهماً على انقسام شديد في المجتمع والدولة التركية، ودليلاً على بداية صراع مؤثر: صراع تركي تركي. فهل فشل الانقلاب فعلا؟

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك