فهمي هويدي يكتب .. فريقنا فى الرياضة والسياسة

زاوية الكتاب

كتب 380 مشاهدات 0

فهمي هويدي

الشروق

فريقنا فى الرياضة والسياسة

فهمي هويدي

 

ماذا يعنى فوزنا فى مباراة لكرة القدم ورسوبنا فى اختبار الحرب الشخصية؟ السؤال يفرضه التزامن بين الفوز الذى حققته مصر فى مباراتها ضد غانا مع النتائج التى أعلنها أحد المراكز البحثية البريطانية فى دراسته لمستويات العافية المتمثلة فى الرخاء والازدهار فى ١٤٩ دولة فى العالم، ذلك أن الفوز الكروى المستحق الذى فتح باب ترشيح مصر للمشاركة فى منافسات كأس العالم كان له دوى أشاع فى الفضاء المصرى درجة عالية من الفرحة الغامرة. أما الرسوب الذى شهد به مركز «ليجا توم» البريطانى فلم يثر انتباه أحد، وأشارت إليه فى أسطر معدودة صحيفة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر يوم ١٣/١١، أى قبل ستة أيام من المباراة الكبيرة.

قبل أن استطرد أسجل أننى لا أستكثر فرحة المصريين بالفوز الكروى، لأن الفوز مستحق والفرحة واجبة، لكننى أستغرب الصمت الذى قوبل به نبأ الرسوب فى مادة الحرية الشخصية، رغم أنه بالغ الأهمية وعميق الدلالة، حتى تمنيت أن يكون له أى صدى على الساحة المصرية.

لست بحاجة إلى التذكير بالتعبئة الإعلامية الكبيرة التى واكبت المباراة ولا بالرنين الذى أحدثه الفوز الذى بولغ فيه بحيث بدا الحدث منافسا لانتصار أكتوبر أو للصعود إلى القمر. لكننا أحوج ما نكون إلى التعرف على نتائج البحث الذى أجراه المركز البريطانى. ذلك أن «مؤشر ليجاتوم» للازدهار العالمى يرصد مستويات الرخاء والازدهار منذ نحو ثمانى سنوات فى تلك الدولة. وإلى جانب تحرى المؤشرات الاقتصادية فإن خبراءه يرصدون أيضا مؤشرات المشاركة السياسية والممارسة الديمقراطية وسلطة القانون، إلى جانب الأمن والحرية الشخصية وجودة التعليم وغير ذلك.

من النتائج التى تهمنا فى تقرير المركز عن عام ٢٠١٦ ما يلى:

< إن ترتيب مصر عالميا تراجع ٦ درجات عما كان عليه فى العام الماضى. فقد احتلت فى العام الماضى المرتبة ١١٠ بين ١٤٩ دولة، ولكنها فى العام الحالى أصبحت تحتل المرتبة ١١٧. وتقدمت عليها كل من أوكرانيا وزامبيا والجزائر وبوركينا فاسو وجيبوتى وبنجلاديش وأوغندا.

< فى العالم العربى حلت مصر فى المركز ١٢ فى حين احتلت دولة الإمارات المركز الأول تلتها قطر والبحرين وسلطنة عمان والكويت ثم السعودية.

< احتلت مصر المرتبة ١٠٥ بين ١٤٩ دولة فى عامل الجودة الاقتصادية والمركز ١٠١ فى بيئة العمل و١١٧ فى مؤشر الحوكمة و٩٢ فى التعليم و٨٨ فى الصحة.

< فى مؤشر الأمن والأمان كان ترتيب مصر ٩٣ أما فى الحرية الشخصية فقد جاءت فى ذيل القائمة، عند الترتيب ١٤٦ قبل آخر وأسوأ ثلاث دول فى القائمة. والدول الثلاث هى اليمن والسودان وأفغانستان.

كما رأيت فإن حالة الحرية الشخصية هى الأسوأ بين المؤشرات الرئيسية التسعة التى تقاس بها عناصر العافية فى الدول التى شملها البحث. وخطورة هذه النقطة تكمن فى تأثيرها على الإنسان الذى هو العامل المشترك فى أغلب الأنشطة الأخرى. يعيدنا ذلك إلى السؤال الذى طرحته فى البداية، المتمثل فى دلالة الفوز فى مباراة كرة القدم والرسوب فى الحرية الشخصية، وأزعم فى هذا الصدد أن المفارقة يفسرها أننا فى كرة القدم نتبع الأصول أما فى قضية الحريات فإننا نتبع الهوى. فى كرة القدم انتقينا المدرب الكفء وحشدنا أفضل اللاعبين، وخضع اللاعبون للتدريب الجاد، ووضعت لهم خطة عمل خضعت للتعديل لتحسين الموقف ورفع كفاءة الأداء. ثم صار الجميع تحت رقابة الجمهور المفتوح الأعين طوال الوقت. أما فى قضية الحريات وفى الإدارة السياسية بشكل عام فإننا لم نفعل شيئا من ذلك، لا فى اختيار المدرب ولا فى كفاءة الفريق ولا خطة العمل. ناهيك عن أنه لم تكن هناك رقابة من أى نوع. لذلك كان الرسوب نتيجة طبيعية. أما عبرة هذه المقارنة فتتلخص فى فداحة الثمن الذى يترتب على استمرار التضييق على الحريات الشخصية. ذلك أننا حتى إذا فزنا بكأس العالم فإن ذلك سيظل بلا قيمة طالما خسرنا الإنسان وشوهناه أو دمرناه فى نهاية المطاف.

الشروق

تعليقات

اكتب تعليقك