آمنه الموسوي: الانتخابات التركية أثبتت أن العلمانية غبيه
زاوية الكتابكتب يوليو 29, 2007, 7:50 ص 492 مشاهدات 0
فاقع لونها
كتب آمنة الموسوي
فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية ساحقة في الانتخابات التركية الأخيرة وحصول
الحزب الحاكم على أكثر من خمسين بالمئة من مقاعد البرلمان، عبارة عن تحوّل
مفصلي في التاريخ التركي منذ ثورة كمال أتاتورك و النتيجة كانت صفعة قاسية
لحكم العسكر ومفهوم العلمانية التركية بأسرها إن صح التعبير.
الانتخابات جاءت إثر الأزمة التي مرت بها الحياة السياسية التركية، بعد ترشيح
حزب العدالة و التنمية وزير خارجيتها عبدالله غول لمنصب الرئاسة حينها ثارت
ثائرة العسكر والذي اعتبر ترشيح غول نزوع نحو أسلمة الدولة التركية ونسف
للعلمانية التي يعتبرها العسكر خطا أحمر لا يجوز مسه بأي حال من الأحوال،
وربما كان مبررهم الأهم والأبرز في هذه الفرضية أن زوجة غول تلبس الحجاب
الإسلامي و بالتالي هناك نية من الحزب الحاكم لتحويل تركيا إلى دولة إسلامية
!
العلمانية و للعلم فقط فرضت على تركيا من الأساس بعد حكم الدولة العثمانية
والتي اتخذت من الإسلام وسيلة لفرض حكمها الدكتاتوري على العالم العربي،
وبالتالي انتهجت الدولة التركية المبدأ العلماني مرغمة، لتصبح بمرور الوقت
مبدأ الدولة ومنهجها، ثم تحوّلت بعد ذلك إلى سيف مسلط على رقبة الشعب التركي
رغما عنه، وأصبح حكم العسكر العلماني النزعة والهوى دكتاتورية قامعة لأي مظهر
من مظاهر الأسلمة وبدل أن تكون العلمانية حالة تدعو إلى توحيد المجتمع التركي
ونبذ أي حالة اختلاف تحوّلت إلى حركة قامعة للحريات الشخصية،
وربما يتذكر البعض كيف فرضت الحكومة التركية منع المحجبات من الدخول إلى
الجامعات وكذلك منع المحجبات اللواتي فزن في الانتخابات النيابية من دخول
البرلمان والإدلاء بالقسم رغم إنهم اختيروا نوابا عن الأمة مما اضطر بعضهن
إلى نزع الحجاب قبل الدخول إلى البرلمان.
الخوف غير المبرر، والبارانويا تجاه أي مظهر من المظاهر الإسلامية كما يبدو
أصبح ظاهرة شائعة لدى أصحاب الميول العلماني، في فهم خاطئ للعلمانية و
مفهومها الأصلي، إلى الدرجة التي تجعل هؤلاء العلمانيين يعتقدون أن مجرد لبس
الحجاب يعني رغبة في نسف المبادئ العلمانية، وتحويل المجتمع إلى مجتمع إسلامي
أو تحويل دولة بأكملها إلى جمهورية إسلامية.
وهذا ما ظهر واضحا في ثورة العسكر في تركيا. وهذه البارنويا أصبحت لا تسيء
لمعتنقي المذهب العلماني فحسب بل باتت تقوّض أي سمة حقيقية للعلمانية رغم -
تحفظنا على العلمانية نفسها- لتحولها إلى نوع من العلمانية العمياء الغبية
التي لا ترمي إلى دفع الدين إلى الصفوف الخلفية على اعتبار فصلها عن السياسة
ضربا من ضروب الخروج من مأزق الإختلاف، بل تهدف إلى إفراغ الحياة البشرية من
الدين تماما حتى وإن استدعى الأمر إلى الاستعانة بأساليب القمع وخدمات العسكر
!!
حسنا، هاهي الإنتخابات التركية أثبتت أن الشعوب لم تعد تؤمن بالعلمانية،
الغبية منها و ربما حتى الذكية أيضا، ولم يعد حجاب زوجة غول يرهب الأتراك
ومواطني أشهر دولة حاولت جاهدة اعتناق العلمانية حتى النخاع، وأصبح حكم
العسكر العلماني غير مرغوب فيه من هذه الشعوب، وربما على هذه الحقيقة المجردة
راهن أردوغان حينما وعد محازبيه باعتزال الحياة السياسية إلى الأبد إذا لم
ينجح حزبه في الحصول على الأغلبية الساحقة في البرلمان،
الأمر الذي قرأه البعض بنوع من الهذيان أو الجنون السياسي الذي أصاب أردوغان
في اللحظات الحاسمة، و لكن يبدو أنه الوحيد الذي قرأ الشعب التركي وربما
الشعوب الإسلامية كلها جيدا، في حين نام الآخرون على حلم الإبقاء على بعبع
الدين قائما في وجه كل من تسوّل له نفسه الالتزام بأبسط المفاهيم كارتداء
الحجاب الشرعي على سبيل المثال.
إنها حقيقة مهمة جدا، تلك التي أدلى بها الناخبون الأتراك في صناديق الإقتراع
هذه المرّة، وأبرز ما في هذه الحقيقة هي إنها ظهرت في أسوء الظروف التي
تعيشها المنطقة من حيث تشويه وجه الدين على يد الإرهابيين مدعي الإسلام
والمتواطئين مع أسوء النزعات الشيطانية لقتل هذا الدين والإمعان في جعله
غريبا ومنبوذا، ولذلك جاءت الحقيقة ناصعة فاقع لونها تسر بعض الناظرين وترهب
بعضهم الآخر !!
عالم
اليوم
تعليقات