يوم الأم لمن لا أم له- تكتب د.شيخة ناصر الهلالي

زاوية الكتاب

كتب 1446 مشاهدات 0


بدأت الناشطة الاجتماعية (آن رييفز جارفيز) في عام ١٨٥٠ بطرح فكرة تأسيس نوادي لمشروع يوم الأم وذلك بهدف تعليم الأمهات كيفية تربية الأطفال تربية سليمة وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم، تهدف فكرة المشروع في ذلك الوقت الى تحقيق أغراض تربوية سليمة تصب في صالح الطفل خصوصاً بعد انتشار الحروب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة مابين ١٨٦١ و ١٨٦٥، وعليه فقد استطاعت آن جارفيز وعدد من الأمهات تنظيم يوم الصداقة للأمهات ( Mothers Friendship Day) وذلك لدعم التربية الصالحة للأطفال والعناية الصحية بهم من خلال تبادل المبادرات والخبرات خصوصاً خلال فترة الحروب.

وبعد أن توفيت آن جارفيز في عام ١٩٠٥استكملت ابنتها ( آنا جارفيز ) العمل بكل جهد ومثابرة لجعل يوم الأم يوم عطلة رسمية، وقد كانت أفكارها تنطلق من حبها لأمها وشعورها بالحزن لفقدانها وإيماناً منها بأهمية دور الأم، إلا أن الهدف الذي كانت تنشده آنا جارفيز من وراء يوم الأم تغير بعد ذلك وأصبح من وجهة نظر الكثيرين ضد الطفل وليس لصالحه، يتمثل يوم الأم كما تراه (آنا جارفيز) - والتي لم يكن لديها شخصياً أي أبناء - في أن يخصص يوم في السنة يتم فيه تكريم الأمهات المنفردات ( single mothers) في تربية أبنائهن تقديراً لتضحياتهن.

وفي مايو ١٩٠٨ تم تنظيم أول حدث رسمي للاحتفال بعيد الأم في إحدى الكنائس بمدينة جرافتون في ويست فيرجينيا في الولايات المتحدة، وتوالت جهود (آنا جارفيز) بعد ذلك لتكثيف الدعم الأعلامي والصحفي للمطالبة باعتبار يوم الأم يوم عطلة رسمية، وفي عام ١٩١٢ بدأت العديد من الكنائس والمدن بالاحتفال بيوم الأم، وتم تأسيس رابطة عيد الأم العالمية ( International Mother Day Association).

وفي عام ١٩١٤ قرر بالفعل وبشكل رسمي الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة الأمريكية وودرو ويلسون اعتبار يوم الأحد الثاني من شهر مايو يوماً للأم، وقد انتشرت الفكرة بشكل كبير بين معظم الدول وبدأت المدارس والحضانات تحتفل سنوياً في يوم الأم، وتباينت تواريخ الاحتفال بذلك، فعلى سبيل المثال في معظم الدول العربية تم اعتبار يوم ٢١ مارس يوماً للأم، بينما في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد كبير من الدول الغربية يتم الاحتفال في الأحد الثاني من شهر مايو، أما في بعض الدول التي تعتنق الديانة المسيحية الكاثوليكية والبروتستانت فإنها تحتفل بيوم الأم قبل ثلاثة أسابيع من عيد الفصح تزامناً مع اليوم الذي يطلق عليه mothering sunday حسب معتقداتهم.

وقد صاحب هذا الاحتفال استغلالاً تجارياً مبالغاً فيه حيث تطورت الهدايا من بطاقات معايدة يعدها الأطفال بأياديهم الى تبادل الحلوى ومن ثم أصبحت هدايا ذات قيمة مالية عالية تصل للمجوهرات والأجهزة الإلكترونية في كثير من الأحيان، الأمر الذي دفع بآنا جارفيز للندم على ما قامت به حيث اكتشفت أن الرابح الوحيد من وراء ذلك هو القطاع التجاري، وذلك في السنوات الأخيرة من حياتها.

وفي الوقت الحاضر أصبح الوضع أسوأ بكثير ففي إحدى الإحصائيات التي تم عملها في عام ٢٠١٣ فقد قدرت التكاليف التي تم صرفها في يوم الأم بمبلغ ٢٠ بليون دولار أمريكي في الولايات المتحدة فقط، لذلك ندمت آنا جارفيز حيث اكتشفت أن أغلب مظاهر الاحتفال بيوم الأم كامتلاء الأسواق والمحلات التجارية بالهدايا إنما تهدف للربح المادي، كما أنها دعمت فكرة التباهي بين الأطفال والأمهات في يوم محدد بالسنة، وتلاشى الهدف الأساسي المتمثل في دعم تربية الاطفال وتقدير الأبناء لجهود أمهاتهم.

لذلك يتعين أن تكون لنا وقفة في هذه المناسبة تحديداً لما لها من أثر سئ في نفوس الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم، حيث يتعين أن لا ننسى الجانب المظلم لهذا الاحتقال والذي يتمثل في إثارة مشاعر الحزن والألم في قلب كل طفل محروم من أمه لأي سبب كان عند رؤية مظاهر الاحتفال أو سماع أغنية أو متابعة الاستعداد لهذه الاحتفالات بالمدارس، وكذلك لا ننسى حال الأمهات اللاتي فقدن أبنائهن بسبب الحوادث، أو الأمراض أو الحروب، وكذلك كل من حرم من نعمة الأبناء.

وقد تنبهت الدول المتقدمة لذلك وحاولت مؤخراً بعض المدارس في المملكة المتحدة وأمريكا منع الاحتفال بيوم الأم، وبعض المدارس بدأت فعلياً بالمنع وذلك باعتبار أن ٥٪ من الأطفال قد انفصلوا عن رعاية أمهاتهم لسبب أو لآخر.

رسالتي الأخيرة : من المستحيل أن يحتفل طفل لا أم له بيوم الأم كباقي الأطفال !

كتبت- د. شيخه ناصر الهلالي

تعليقات

اكتب تعليقك