عدنان فرزات يكتب.. فتوّات الفضائيات وفتوّات الحارات
زاوية الكتابكتب يوليو 6, 2017, 11:42 م 482 مشاهدات 0
القبس
فتوّات الفضائيات وفتوّات الحارات
عدنان فرزات
السلوكيات لا تنقرض ولا تنتهي بانتهاء عصرها أو بقدوم عصر حديث، ولكنها تعيد إنتاج نفسها بشكل آخر.
في السابق، كانت هناك مهنة قطّاع الطرق، وحين تطورت هذه الطرق وأصبحت فيها إنارة، تحول قطاع الطرق إلى «فتوّات» يتأقلمون مع الشوارع الجديدة، وحين تطورت الشوارع مرة أخرى وأصبحت تجوبها دوريات أمن، تحول بعض «الفتوات» إلى كتّاب يحملون بدل السكاكين أقلاماً يهاجمون بها الناس بغرض ابتزازهم، وحين تطورت وسائل الإعلام وظهرت الفضائيات، راجت أسواق هؤلاء، وأصبحوا سلعة محببة لدى الفضائيات التي يسعى معظمها إلى استقطاب المتحدث الأكثر شراسة للأشخاص الموضوعيين، وذلك كون الذين يصرخون ويشتمون ويقلون الأدب أكثر جذباً للجمهور الذي يحقق لهم دخلاً إعلانياً أيضاً، كون الفضائية تصبح منتشرة أكثر. وعلى سيرة الإعلان، ما زال سؤال الراحل المرحوم الدكتور أحمد الربعي الذي سأله لعبدالباري عطوان عن مصدر تمويل صحيفته وليس فيها إعلان واحد، ما زال هذا السؤال بلا جواب، وقد رحل المرحوم الربعي ولم يحصل على الجواب.
مهنة الفتوّات كانت تتطلب عضلات وجسداً قوياً ولباساً شعبياً أحياناً، وحين تطور هؤلاء أصبحت البدلات الرسمية وربطات العنق أو حتى «الكاجوال» لباس فتوات الفضائيات، فتجد أحدهم في «كاملة أناقته» لو رأيته وهو صامت تظن أن عرسه الليلة، إلى أن يتحدث فتدرك أن ليس كل عين ماء حلوة.
وهنا، أستعرض الفرق بين فتوّات الأمس وفتوّات اليوم. فتوّات الأمس أناس صريحون بمهنتهم، يبتزون المارة إما أن يدفعوا وإما أن «يأكلوا قتلة»، بعكس فتوّات الفضائيات المتخفين وراء الثقافة والفكر. فتوّات الأمس على مساوئهم، إلا أن لديهم بعض الأعراف القيمية، فمثلاً لا يسلبون شخصاً واقعاً في أزمة، بعكس فتوّات اليوم الذين يعيشون على أزمات الشعوب والحروب وقوات اللاجئين والنازحين، فما يعنيهم هو أن يسلطوا بذاءة ألسنتهم لعل أحداً يُسكتهم بِكَم دولار. فتوّات الأمس أذكياء يعرفون أن الشخص الذي يضعون السكين في خاصرته لا بد أنه سيدفع لأنه لا يملك وسيلة يدافع بها عن نفسه. أما اليوم، ففتوّات الفضائيات أغبياء، لأن كل إنسان أصبح لديه وسيلته الإعلامية الفردية التي يستطيع من خلالها الدفاع بها عن نفسه، بل والقيام بهجوم مماثل وربما أقوى، خصوصاً حين تكون بيوت الفتوّات من زجاج تنكسر من أول تغريدة حق.
فتوّات الحارات واضحون تعرف طريقة مصدر أموالهم، بينما فتوّات القنوات غامضون لا تعرف مَن يمولهم.. ولا كيف يصدرون صحيفة من دون إعلان.
تعليقات