إستقلال الكويت ... وتاريخ من الأطماع

محليات وبرلمان

إلتفاف الشعب ومساعدة الدولة الصديقة أحبطتها ودحرت الغزاة

2857 مشاهدات 0


كانت بريطانيا أقوى دولة في العالم سنة 1939م , وكانت تسمى سيدة البحار لأن سفنها الحربية تجوب بحار العالم ,  وهي الوحيد التي كانت لها اتصالات مع العرب منذ القرن الثامن عشر للميلاد و خاصة في الخليج العربي, وبدأت علاقتها مع الكويت في سنة 1776م  واستمرت لسنوات من بعدها حتى يومنا هذا.
وفي سنة 1899 م  اضطر الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت السابع لعقد معاهدة الحماية مع بريطانيا خوفا من الدولة العثمانية التي كانت تطمع في بلاده, وهي معاهدة مشابهة للمعاهدات التي عقدت مع باقي حكام الخليج العربي، وبعد مرور السنوات خطى الشيخ عبد الله  السالم  خطوات مهمة نحو الاستقلال وسعى جاهدا لضم الكويت للعديد من المنظمات العربية والعالمية، تمهيدا للوصول إلى الانضمام لجامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة.

 

 


ومن الخطوات التي قام بها  الشيخ عبدا لله السالم  طيب الله ثراه،  أنه  تم تبادل مذكرتين مهمتين جدا ، والتي أرسلت للمندوب السياسي البريطاني في الخليج في ذلك الوقت (ويليام لوسي) و هي من أجل  إلغاء اتفاقية  الحماية البريطانية على الكويت الموقعة في تاريخ 23 يناير 1899م, والمذكرة الأخرى لإعلان استقلال الكويت, وقد ارسلت المذكرتين ليتم تسجيلهما في هيئة الأمم المتحدة, بعدها  أعلن استقلال الكويت في يوم 19 يونيو 1961م  وإلغاء معاهدة الحماية البريطانية على الكويت.

 

وبعد أن تم الاتفاق مع بريطانيا على نيل الاستقلال, ألقى الشيخ عبد الله  السالم طيب الله ثراه كلمة إلى الشعب الكويتي بمناسبة الاستقلال عبر الإذاعة الكويتية في يوم 20 يونيو 1961 والتي كان ينصت لها الشعب و ربما أنصت لها الأعداء الذين ينتظرون الفرصة كي تنسحب بريطانيا ليبدؤوا هم بخططهم, وقد  جاء فيها ما يلي:


بسم الله الرحمن الرحيم
 
شعبي العزيز إخواني وأولادي:
 
في هذا اليوم الأغر من أيام وطننا المحبوب, في هذا اليوم الذي ننتقل فيه من مرحلة أخرى من مراحل التاريخ, ونطوي مع انبلاج صبحه صفحة من الماضي بكل ما تحمله وما انطوت عليه لنفتح صفحة جديدة تتمثل في هذه الاتفاقية التي تقرؤنها الآن, والتي نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة، في هذا اليوم والسرور يملأ الجوانح, والابتسامات المشرقة تعلو الوجوه، نرفع أبصارنا بخشوع إلى المولى عز وجل لنحمده سبحانه ونشكره على ما وفقنا إليه وأنعم علينا به, ولقد كان التعاون الوثيق بين الحكومة ممثلة في المسئولين من أبناء الأسرة الحاكمة وبين الشعب المخلص من المغزى الجميل مما أشاع الغبطة والاستحسان في نفسي, وجعلني أتمنى استمرار مثل هذا التعاون لخير البلد ودوام تقدمه وازدهاره.


ولايفوتني هنا أن أنوه بالروح الطيبة التي سادت المباحثات وأن أسجل للجانب البريطاني الصديق ما تحلى به من رحابة صدر, وحسن التفهم للأمور والرغبة الصادقة في التفاهم مما جعل الوصول إلى الغاية المنشودة – في سهولة ويسر – مؤكدا مضمونا منذ البداية.
وختاما فأننا نرجو ونحن على أبواب عهد جديد أن تبدأ الكويت انطلاقها بتقوية أواصر الصداقة والأخوة مع شقيقاتها الدول العربية للعمل بتكاتف وتآزر على ما فيه خير العرب وتحقيق أماني الأمة العربية.
كما أن الوضع الجديد يتطلب منا العمل على الانتماء للجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة وغيرهما من المنظمات التي تعمل لخير العالم و أمنه وسلامة كلما كان ذلك في الإمكان، والله ولي التوفيق.
 
 
التطورات والأحداث التي تلت إعلان الاستقلال:
 
لقد تقدمت الكويت بعد هذا الخطاب في تاريخ 22 يونيو 1961م, بطلب للانضمام كعضو في جامعة الدول العربية, وأرسلت الدول العربية والأجنبية الصديقة برقيات تهنئة إلى الشيخ  عبد الله السالم بمناسبة استقلال الكويت، ولكن رسالة عبد الكريم قاسم للشيخ عبد الله السالم  كانت تختلف عن كل الرسائل التي ارسلت من رؤساء الدول الأخرى, حيث احتوت على مغالطات في حق  استقلال الكويت ونبرة واضحة بعدم تقبله لهذا الاستقلال، وقد عقد عبد الكريم قاسم  مؤتمرا  صحفيا في بغداد يوم 25 يونيو 1961, هاجم فيه الكويت وأخذ يردد خرافة الحقوق التاريخية للعراق بالكويت, وأن العراق سيطالب بكل الأراضي التي كانت تتبع الدولة العثمانية, بالإضافة إلى أنه طالب بالوحدة العربية بين الكويت والعراق, وتجرأ أيضا بتهديد كل دولة عربية أو أجنبية تعترف باستقلال الكويت وتتبادل معها التمثيل الدبلوماسي بقطع علاقتها معهم, كما أصدر أوامر بمصادرة عشر سفن كويتية تجارية  كانت راسية في ميناء بغداد.

 


وقد أصدر  عبد الكريم قاسم  أوامره للجيش العراقي للمرابطة على الحدود الكويتية, استعدادا للهجوم على الكويت عندما تأتيهم الإشارة للبدء في الهجوم، وأمر أيضا وزير خارجيته بإرسال مذكرات رسمية من العراق عن طريق السفارة العراقية في مصر إلى جميع مندوبي الجامعة العربية تتضمن اعتراضه على استقلال الكويت, ولم يسلم الإعلام العراقي أيضا من هذا الأمر، حيث أمر بأن جميع وسائل الإعلام في العراق من إذاعة و تلفزيون وصحافة بشن هجوم سياسي على الكويت , وبث الموسيقى العسكرية بصورة دائمة , و إثارة الشعب العراقي ضد الكويت من خلال تلك الوسائل المغرضة بحق بلد طالب باستقلاله, ليجد جاره يفتح فمه طمعا فيه، ووعد عبدالكريم قاسم شعبه لمعرفته بتعطشه، بتوزيع الأموال والأغذية والملابس والسيارات التي في الكويت على الشعب العراقي في حالة نجاحه باحتلال الكويت.


وقد قامت الكويت بعد مؤتمر عبد الكريم قاسم  بإصدار بيان حكومي, تعلن فيه أن الكويت  دولة عربية مستقلة ذات سيادة كاملة معترف بها دوليا, وأن حكومة الكويت و من ورائها شعب بأسره قادر على الدفاع عن استقلال الكويت وحمايتها، بالإضافة لوقوف جميع الدول الصديقة المحبة للسلام معها و لاسيما  الدول العربية الشقيقة كي تحافظ معها على هذا الاستقلال الذي نالته،  كما احتشد الشعب الكويتي أمام قصر الشعب عند  والدهم الشيخ عبدا لله السالم طيب الله ثراه  الذي  خفق قلبه اشتياقا وحبا لهم, فلم يتمالك نفسه وهو يسمع هتافاتهم وصيحاتهم  بحب الوطن و حب أميرها، فخرج من شرفته وألقى كلمة أب لأبنائه.
كما توالت البيانات التي تصدر، فكان هناك بيان المجلس الأعلى للشعب الكويتي كي  تطلعه على أهم الإجراءات التي قامت بها الحكومة الكويتية, وإيضاح لأبرز الخطوات لحماية الكويت, بالإضافة لبيان رئيس الشرطة والأمن العام في ذلك الوقت الشيخ سعد العبد الله  السالم الصباح طيب الله ثراه.
ومن الخطوات التي قام بها المرحوم الشيخ  عبدالله السالم إزاء تهديدات عبد الكريم قاسم,  أنه  قد أصدر قرارا بإغلاق الحدود مع العراق, وأصدر قرارا إلى الجيش الكويتي بالاستعداد للدفاع عن الكويت والتحرك فورا إلى الحدود الكويتية, وكذلك عقدت مباحثات عاجلة  مع الوكيل السياسي البريطاني في الكويت طلب منه المساعدة العسكرية العاجلة مع بريطانيا, كما اتفق الجانبان على وقف انسحاب القوات البريطانية الذي بدأ عقب إعلان استقلال الكويت حتى تزول الأزمة.

وبالفعل وصلت أول دفعة من القوات البريطانية بتاريخ 1 – 6 – 1961 م , كما أعلنت بريطانيا حالة الطوارئ  للقوات البريطانية,  وتابع الوزير البريطاني تطورات الأزمة بعد أن قطع إجازته ليشرف على الأوضاع , وقد أبلغ السفير البريطاني في بغداد وزير خارجية العراق بأن الكويت دولة مستقلة, و أي تهديد لسيادتها سوف يكون موضوعا عميق الأثر,  وقد امر جلالة الملك سعود بن عبد العزيز طيب الله ثراه, بارسال القوات السعودية للكويت بناء على اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين منذ عام 1947م, و قد وصلت أول دفعة من القوات السعودية  إلى الكويت بعد ثلاثة أيام من الاجتماع الذي عقد في يوم 29- 5 - 1961 م , وقد أخطر معظم أعضاء الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي بتهديدات عبد الكريم قاسم و نواياه باحتلال الكويت, و عدم الاعتراف بسيادتها  واستقلالها.

و قد أثمرت هذه الخطوات بنتائج ايجابية, حيث كانت بفضل الله وبفضل حنكة الشيخ عبدالله السالم  السياسية وقدرته على التصرف، أن توقف دبابات ومدرعات عبد الكريم قاسم المتجهة نحو الكويت, إضافة لعدم نجاح خطة عبدا لكريم قاسم  بالهجوم المباغت على الكويت, خاصة عندما علم بالاستعدادات التي اتخذتها الكويت, و معرفته لما سيتعرض له كرسيه الذي يجلس عليه من الثوار العراقيين الرافضيين لنظام حكمه الجمهوري المتسلط،  لذلك اكتفى ببقاء الجيش على حدود الكويت دون إصدار الأوامر لهم, كما استمر بتكثيف الهجوم الإعلامي  على الكويت.


وللأسف الشديد أن أعين بعض القادة والرؤساء الذين مروا على رئاسة العراق اتجهت دوما  نحو الكويت منذ سنوات طويلة, وليس غريب حدوثها، فكان هناك فيصل الأول التي اتضحت نواياه بمؤتمر العقير بابتلاع السعودية والكويت, و أيضا جاء  غازي الأول  الذي طالب بضم الكويت وحاول الدخول بمدرعات للجهراء لو لا  تدخل القوات البريطانية, وقد ازدادت الأطماع باكتشاف حقل برقان في عام 1939م , واستمرت الأطماع بقدوم عبد الآلة وصي عرش العراق،  كما تمت المطالبة باستئجار أراضي كويتية في عهد فيصل الثاني التي فطنت الكويت للخدعة العراقية وخاصة مع تدفق النفط في أراضيها،  وبعد استقلال الكويت  من بريطانيا ,  حاول عبد الكريم قاسم  رغم اعتراف أهم المنظمات العربية والعالمية بهذا الاستقلال، أن التاريخ لازال يحتفظ بالكثير من الأطماع  التي توالت على هذا البلد الطيب، وأخذ نصيب الأسد من خلفائه السابقين بنصب المكائد والمزاعم الباطلة لمحاولة لإقناع العالم بأحقية العراق بالكويت، عدة أعاصير حاقدة قد ألمت بالكويت ومن جار لها كان الأجدر به الوقوف معها وليس ضدها،  واستمرت مع كل من أتى بعده  كعبد الرحمن عارف و إبراهيم  البكر, وكانت آخرها هي ما قام به (صدام حسين) الذي استطاع أن يغتال الكويت بصورة مباغتة ليحدث الغزو العراقي للكويت ويغرس خنجر الغدر في ظهرها.
عواصف كثيرة  ترغب بسرقة الكويت وضمها لها, دون الاهتمام لأي آثار مترتبة سواء على الشعب أو على البلاد أو العالم بأسره, بل هي فقط  تخطيط لنهب الثروات الموجودة بالبلاد وخاصة الثروة النفطية  من خلال الاستيلاء على أراضيها وثرواتها المتعددة.
 

الآن - تقرير: نورا ناصر

تعليقات

اكتب تعليقك