وهن العمل الوطني وتلاشي مشروعه يكمنان في جوهره بأمرين.. برأي محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 431 مشاهدات 0

د. محمد المقاطع

القبس

الديوانية- نتجرَّد من مصالحنا لمشروع الوطن

د. محمد المقاطع

 

استكمالاً للمقال السابق، أجد لزاماً عليّ أن أعيد القول إن وهن العمل الوطني وتلاشي مشروعه يكمنان في جوهره بأمرين:

• تخلي النخب عن المشروع الوطني لأجل مصالحهم بصراع لا طائل من ورائه سوى الإضرار بالوطن.

• تراجع آلياتهم بالعمل لتنحاز إلى حالة تسجيل المواقف، بدلا من آليات فعالة تضع كل من له سلطة بالقرار أمام مسار واحد لا مجاملة فيه ولا تزيين.

وهاتان المسألتان إن تم العدول عنهما فإن خريطة طريق الإصلاح الوطني تصبح مدركة وتبدأ عجلتها بالدوران، وهو ما ينبغي أن يتم تجسيده من خلال تغيير للخطاب وللآليات بما يساعد على كشف مخاطر القرارات والممارسات التي يقوم بها أصحاب القرار، على أن يكون مصحوباً بالمصارحة وأدبيات الصدق بالنصح.

وعليه، فإنني أعتقد أن ذلك أهم دور يمكن أن تلعبه أي مجموعة ترغب في انتشال الوطن من حالتي التردي والتشرذم، إذا كان لديها السعي الجدي للإصلاح وجمع شتات النخبة السياسية، بعد أن فرقتهم سبل الصراع وتمكّنت من إضعاف عزيمتهم وتشتيت إمكاناتهم، فضاعت منهم بوصلة العمل الوطني ذي الطبيعة الإصلاحية المتجرّد من المصالح.

لقد برزت في مراحل وحقب عدة للعمل الوطني عوامل وهن وضعف متفاوتة، وضيعت في خضمها خريطة العمل الوطني من قبل رموز وشخصيات كنّا نراها في طليعة رموزه، لكن الطريق تنكب بهم لغير ما يَصبّ في مصلحة الوطن، وقد تفاقمت تلك العوامل في العقدين الأخيرين.

ومن هنا، فإن حالة تغليب المصلحة الخاصة (حزبية أو فئوية أو طائفية أو قبلية) أو الشخصية، كانت أخطر وأسوأ مما مُني به العمل الوطني من أضرار واستنزاف انحرفت به عن سواء السبيل، فورث حالات من الصراع والتنافس الإقصائي، بل تجاذباً هامشياً ينسى قضايا الوطن ويتم الانسياق لمصالح ضيقة بدوافع الصراع وتسجيل مكاسب على الخصوم السياسيين، بدل أن تكون المكاسب في مصلحة الوطن.

ولذا، فإن ركائز العودة إلى خريطة طريق العمل الوطني، تستلزم أن يبنى على تجرّد من المصالح الشخصية للنهوض بالوطن والانحياز إلى مصالحه، وبعض تلك الركائز تتمثل في ما يلي:

– تغيير الخطاب السياسي العام الذي يظهر قوة في صوته المعارض، والذي لا تخفته التقلبات، ولا تغيّر تأثيره لغة المجاملات، فالوطن مقدم على الجميع، والدستور مرجعية لا مساومة عليها.

– استخدام آليات جديدة تقوم على تفاهمات ومواثيق شرف للعمل الوطني تخرجه من حالة الصراع والتشرذم، وعدم السماح لنافخي كير الفرقة أن يكون لهم حظوة في قاطرة الإصلاح.

– فضح استخدامات المال السياسي والأموال العامة في شراء الولاءات وإفساد الذمم، ويكون ذلك بموقف تضامني في إطار تلك التفاهمات والمواثيق.

– عدم الدخول في حلبة الاستقطاب السياسي مع أطراف تتصارع على السلطة، أو تستهدف تحقيق أغراض حزبية أو مصلحية خاصة لا تتماشى مع الخطاب الوطني.

– إصلاح آلية العمل البرلماني بتعزيز استقلاليته ونزاهته بإحكام تطبيق عدد من مواد الدستور، مثل: ٩٩، ١١٥، ١٢١ وما بعدها، لتخليص البرلمان من نواب تحويل العضوية غنيمة للتكسّب والتربّح، وتسخير العضوية للجمع بين المحظورات الدستورية، ومنع التجوّل في أروقة الوزارات والمؤسسات من خلال لائحة سلوك برلماني، تبدأ بميثاق وتفاهمات شرف وتنتهي بضغط فعال لإصدارها ضمن تشريعات الدولة.

– إصلاح النظام الانتخابي لتحقيق وحدة الوطن ومنع تمزيقه وفقاً للاستقطابات الفئوية لضمان عمل برلماني خارج نطاق الاستقطاب الفئوي أو تأثير المال السياسي.

– التشدّد في طروحات تحفظ للقضاء استقلالية حقيقية، وعدم قبول الزج به في الخلافات السياسية أو محاولات التدخل والتأثير فيه، مهما كانت أشكال وطبيعة ذلك الزج أو التأثير، بخطوات محددة وبرنامج مراقبة وفعال دعما للقضاء.

– أن تكون الثلة التي تتصدى لحمل مسؤولية خريطة إعادة اعتبار العمل الوطني متجردة من المصالح، ليست لديها مكاسب شخصية تسعى إليها، فلا مناصب وزارية ولا عضوية برلمانية ولا مراكز وظيفية ولا مناقصات ولا عقود ولا تعيين للأقارب أو أي منفعة، فإن أي شيء من ذلك إنما يجهض العمل الوطني، وهو حالنا المتردّي اليوم بكل أسف.

– وقف مظاهر التحالفات والتكسّب من العمل الوطني.

– التسليم بأن العمل الوطني على هذا النحو له كلفه وثمن وعليه مسؤوليات وتبعات، فيكون هناك استعداد للتضحية والقبول بالكلفة وتحمّل التبعات، فقوة العمل الوطني وتنقيته مما شابه أو استقطاب السلطة له يستلزم هذه التضحية.

– أكتفي بطرح بعض هذه الركائز بهذا المقدار، على أن أكمل بقية الحديث في مقال مقبل.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك