نعيش في العالمين العربي والإسلامي منذ فترة حالة من اللاوعي وآن الأوان للخروج منها.. كما يرى محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 726 مشاهدات 0

د. محمد المقاطع

القبس

الخروج من حالة اللاوعي العربي

د. محمد المقاطع

 

نعيش في العالمين العربي والإسلامي منذ فترة حالة من اللاوعي. آن الأوان للخروج منها، سواء كان اللاوعي ذاك عن قصد وبسوء نية، أو كان لجهل أو غفلة وحسن نية، فحالة اللاوعي تلك تشمل لاوعياً إدراكيا ومعلوماتيا وعلميا وإخباريا وإعلاميا واستخباراتيا، ويأتي في قمة من يعيش حالة اللاوعي تلك، المفكرون وقادة الفكر والنخب والكتّاب ومن إليهم. وتتمثل حالة اللاوعي هذه في أننا في كل ما سبق عالة على غيرنا، ونستقي منهم كل شيء له علاقة بالمعلومات والعلم والتحليلات، بل حتى الأخبار، فنثق في مصادرهم ونتبنّى تحليلاتهم، ونتابع منطقهم، ونسلِّم بما ينشرونه من معلومات وبيانات على شكل أخبار صحافية أحياناً، وباعتبارها تحليلات ومعلومات أحياناً أخرى، وعلى شكل دراسات وأبحاث علمية أحياناً ثالثة.. وغيرها كثير، ونقوم نحن بدورنا بتلقّفها ونشرها وتكرارها على علاتها.

والمخيف حقّاً هو أننا نسلّم بصحتها ونبادر لتبنيها وندافع عنها ونستند إليها، ويحتج بعضنا على بعض فيها، حتى في شؤون حياتنا، وما نملك معلومات أصيلة بشأنها من مصادرها الأساسية، وما ذلك السلوك إلا لكون معظمنا يعيش في غيبوبة كاملة في حالة من اللاوعي، جعلته يكون مثل الببغاء يردد كل ما يقولون وما يكتبون، وقد نجح الغرب في برمجة عقولنا وأعلامنا ومفكرينا ومراكز البحث والدراسات لدينا على النحو الذي حولنا فيه إلى مجرد أدوات ووسطاء ومروّجين لما يريدونه وما يرغبون في أن يوهمونا بأنه الحقيقة والمسلّمات التي لا بد لنا من الإيمان بها والتسليم بمصداقيتها، ومنا، كما قلت أعلاه، من فعل ذلك بسذاجة أو غفلة وعن حسن نية، ولكن منا من يفعل وفعل ذلك عن قصد وتواطؤ وسوء نية.

وقد استغرقت حالة اللاوعي هذه كل شؤوننا، ففقدنا إرادتنا وتفكيرنا الحر، واضمحلت ذاتيتنا، وذابت شخصياتنا، وتخلخلت قيمنا، وضاعت في خضم ذلك هويتنا الإسلامية، وخصوصيتنا القومية والعربية، فظهر الانفصام والتناقض واللانضج في معظم شؤوننا، إن لم يكن جميعها، وصرنا أسرى لاستعمار معنوي «ذهني وداخلي» يجعل منا توابع وصورا يحرّكنا الغرب كيف يشاء، مستغلاً اللاوعي الإدراكي والمعلوماتي أو العلمي أو الإخباري والإعلامي والاستخباراتي، الذي هيمن من خلاله علينا.

إن ما نحتاج إليه اليوم على مستوى الأفراد والنخب والمؤسسات الرسمية والتعليمية والشعبية والإعلامية هو أن نستعيد وعينا وإدراكنا لنستجمع ذواتنا وندرك مكامن القوة والتميّز في ذاتيتنا، ونستعيد الثقة بأنفسنا حتى نتمكن من الخروج الفطن والمدرك من حالة اللاوعي التي نعيشها وهيمنت علينا لعقود طويلة، فالغرب ومن تواطأ معهم أوصلنا إلى حالة من الضياع كنتيجة طبيعية لانسلاخ أغلبنا عن هويته وخضوعه حتى في أخبارنا ومعلوماتنا وتحليلاتنا وإعلامنا فحوّلنا إلى أداة طيعة يتحكّم فيها الغرب عن بُعد، بشكل مباشر وغير مباشر، وفقاً لمخططاته وما رسمه لنا ورتبه من مسارات، فلا نعجب لما آلت إليه أحوالنا، ولا نستغرب كيف تدهورت دولنا، ولا نحتار أن تذهب كل يوم أجزاء من كياناتنا ودولنا أو تضمحل مبادئ أو قيم من معتقداتنا، فكل ذلك هو نتيجة طبيعية ومنطقية لعيشنا حالة اللاوعي واستسلامنا لها، وهو ما يحتّم علينا الخروج منها عاجلا قبل حدوث ما هو أسوأ، وإليكم بعض ذلك وما أتوقعه (لا قدر الله):

إن الغرب ومنذ أن اضطر إلى أن يمنح دولنا استقلالها بعد استعماره لها عقودا طويلة، حاول أن يبرمجنا على أننا لا نقوى على العيش من دونه، ازدادت البرمجة فنا وإتقانا من قبلهم، وبدأت باتفاقيات كامب ديفيد مع السادات، ومرت بفكرة الـ deployment، أي النشر السريع للقوات، وعقبه احتلال أفغانستان، وفي إثره تمت برمجة أمراء الحرب فيها، وبدأ تصديرهم، وتوالت من خلالهم «طالبان» و«القاعدة» وتفجير، وولد بعدها «داعش»، ونجح الغرب في أن يأسرنا داخل دائرة الإرهاب، وبدأ يفصّل لنا إسلامنا بمقاسه، وهو ما أطلق عليه الإسلام المعتدل الذي يهدفون منه إلى سلخنا عن هويتنا، وتوالت برمجتنا كي نعيش اللاوعي الإدراكي والمعلوماتي والعلمي والإخباري والإعلامي، والاستخباراتي، كما هم يرسمون، وكما نحن نتلقّفه كمسلّمات، أما ما هو آتٍ ــــ بعد أن تم تمكين إيران من عواصم الدول العربية في بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وغيرها، وربما خطوة إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني المغتصب إلا جزءا منه ــــ فستخبرنا الأيام أن إيران ستقايض على تلك العواصم العربية التي هيمنت عليها مع الكيان الصهيوني، ومِن ورائه الأميركان، لنفاجأ خلال سنوات (لا سمح الله) بتحقّق حلم زعماء الصهاينة من النيل إلى الفرات.. فهلا خرجنا من حالة اللاوعي قبل فوات الأوان، وخطونا بجد نحو حالة الوعي والإدراك، لنفهم ما يحاك لنا؟!

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك