محمد المقاطع يكتب.. محاربة الفساد وملاحقة المفسدين

زاوية الكتاب

كتب 993 مشاهدات 0

د. محمد المقاطع

 

القبس

محاربة الفساد وملاحقة المفسدين

د. محمد المقاطع

 

مع بداية مجلس عام ١٩٩٢، أي قبل ربع قرن من الزمان، أعددت أول اقتراح قانون لكشف الذمة المالية لأصحاب المناصب القيادية في الدولة، وفي مقدمهم أعضاء مجلس الأمة والوزراء، بمن فيهم رئيسا الوزراء ومجلس الأمة، وكان اسم الاقتراح «من أين لك هذا؟»، وقد قدّم هذ الاقتراح، وقتذاك، الأخ النائب الدكتور ناصر الصانع، ومعه مجموعة من النواب، وقد جاء الاقتراح من منطلق واضح للحاجة الماسة لمتابعة مصادر دخل عدد ليس بقليل من أصحاب المناصب القيادية، وعلى وجه الخصوص الوزراء وأعضاء مجلس الأمة، حيث برزت وقتذاك ظاهرة دخول الشخص للمنصب الوزاري أو عضوية مجلس الأمة، وهو ممن له دخل مالي اعتيادي ومعروف، وبعد صيرورته وزيرا أو نائبا تظهر عليه مظاهر لثراء مفاجئ واضح، ويصبح ممن يملكون ثروات مالية كبيرة، وكان ذلك يثير الشكوك حول مشروعية ثرائهم، بل وربما يعني أن مثل هؤلاء الوزراء أو الأعضاء قد سخّروا مناصبهم الوزارية أو البرلمانية للتكسّب المالي والتربح بطرق مختلفة، ربما على حساب المال العام، وهو الأرجح، أو من مال خاص استغلالا للمنصب العام الذي حازوه، وهو ما يعني أن هناك فسادا سياسيا تجسّد في فساد مالي، مما يستوجب متابعة وفحص الذمة المالية للوزراء والأعضاء، للوقوف على ملكياتهم عند حيازتهم للمنصب ومقارنتها بملكياتهم بعد ترك المنصب، وقد كانت هذه هي غاية قانون «من أين لك هذا؟». إلا أن المقترح لم يكتب له الصدور بقانون بسبب إعاقته من الحكومة، أي الوزراء، ومن أعضاء مجلس الأمة أيضا، بما يولد اعتقادا أن من عارض صدوره قد يخفي مصادر ثرائه غير المشروع. ومنذ عام ١٩٩٢ وحتى عام ٢٠١٢ وهذا المقترح يتم إجهاضه، وقد تمت عرقلة هذا المقترح بقانون لمدة ٢١ عاما، وتم صدوره بمرسوم بقانون عام ٢٠١٢، ثم تمت إعادة إصداره بالقانون رقم ٢ لسنة ٢٠١٦ ضمن القانون الخاص بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد.

وفي نسختيه اللتين صدر بهما هذا القانون جاء مشوّها ومنتقصا وبصورة لا تحقق الغاية من إصداره، نظرا الى محدودية سلطاته وعدم استقلالية الهيئة القائمة عليه، وضعف إجراءاته وأدواته التي تقلل من فاعلية متابعة الحسابات والتعقيب عليها ورصد الفساد بصورة مجدية، وفضلا عن طبيعة القانون المشوهة الذي أجهض عن تحقيقه لغايته، جاءت الممارسات الواقعية والعملية من قبل الحكومة لتكون معرقلا واقعيا له، في ظل صمت برلماني مريب! وهو ما يجعل ملاحقة الفساد والمفسدين أمرا صعبا، ومجرد شعار سياسي للاستهلاك الشعبي.

ومنذ ٢٥ عاما مضت، وحتى اليوم، فإن حجم وطبيعة الإثراء أو التكسب على حساب المال العام في تزايد مخيف، ولَم يتم حتى اليوم توقيف أحد أو محاسبته أو حبسه على تكسبه السياسي والمالي، ولا محاسبة مصدر تلك الأموال، وهم المتنفذون أو أصحاب السطوة المالية، مما يعني أن وضع البلد في محاربة الفساد وملاحقة المفسدين ترد عليه وبشأنه العديد من علامات الاستفهام والتعجب (؟؟!!)، خصوصا بعد أن طفت على السطح قضية الحسابات المتضخمة لبعض أعضاء مجلس الأمة، وقدمت بشأنها البلاغات وانتهت إلى أن القصور التشريعي قاصر عن أن يجرّم ثراءهم تحت نطاق جرائم معينة؛ مثل غسل الأموال أو التكسّب غير المشروع أو الرشوة أو غير ذلك، وهو ما أميل معه إلى تبنّي رأي آخر، بأن ذلك ممكن بأسانيد وحجج مختلفة، وقد أدى إفلات هؤلاء وغيرهم من طائلة الملاحقة القانونية الى أن أصبح المواطن الكويتي محبطا وفاقدا للثقة في معظم مؤسسات الدولة، في ظل تفشّي الثراء اللافت لبعض أصحاب المناصب؛ وزراء أو أعضاء أو مسؤولين، في ظل مجلس للأمة عاجز عن القيام بهذه المسؤولية بعد أن فات موعد الشهرين الذي حددته توصية مجلس الأمة التي ناقشت «الإيداعات المليونية» في 2017/2/15، ومحدودية دور الجهات الرقابية؛ إذ تمت عرقلتها وتعطيل قدراتها على النهوض بدورها وتفعيل إجراءاتها وأدواتها التي كان من الممكن لها أن تكشف الفساد وملاحقة المفسدين.

وفي ظل ذلك كله، فإنه لا بد من تفعيل ملاحقة الفساد وفتح ملف الذمم المالية للقياديين، وعلى وجه الخصوص ‏متابعة ملف النواب الذين تضخمت حساباتهم بالمجالس السابقة، ومَن ما زالوا يحلبون البلد وتتضخم حساباتهم، وهو ملف يجب ألا يغلق، ولا بد من إعادة فتحه بكل الطرق القانونية المتاحة، ولا بد أن يشمل بحث ملفات جميع من هم في المناصب العامة، فمن يتربّح من المال العام لا بد ألا يفلت من المحاسبة، وهذا ملف لا بد أن تنهض بمسؤوليته الحكومة الجديدة، وأن يتعاون القانونيون، كل وفق ما لديه من خبرات، لتحديد وسائل تفعيل هذا الملف الذي يخلّص البلد من الفساد والمفسدين.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك