محمد المقاطع يكتب.. نفوذ الفاسدين

القبس

نفوذ الفاسدين

د. محمد المقاطع

 

وقف رجل طاعن بالسن أمام أهل قريته يصيح بهم: ستنهار القرية إذا انهار الجبل. وأخذ الناس يتعجبون من قوله وهم غير مصدقين مقولته، ثم طلب منهم الرجل مصاحبته إلى ذلك الجبل، ولمّا وصلوا وجدوا عمالاً يحفرون أساسيات الجبل، فاستغربوا، فعادوا إلى الرجل الطاعن وسألوه: ماذا يفعل هؤلاء؟ فأجابهم: لقد اشترى أحدهم عمق الجبل، وهو الآن أمر عماله بأن يحفروا حتى يصلوا إلى ذلك العمق. فبان الذهول والتعجب على الناس؛ لأنهم أدركوا أن الوصول إلى ذلك العمق يعني انهياراً حتمياً للجبل، وإذا انهار الجبل فإن ذلك سيؤدي إلى تداعي أساسيات القرية ثم انهيارها؛ لأنها بنيت بالارتكاز على أساسيات الجبل. فساد هرج ومرج بين الناس، وتداعوا في مجلسهم، حيث ذهبوا إلى حكيم القرية وطلبوا منه أن يتدخل لوقف تصرف التاجر الذي باع عمق الجبل وصاحب النفوذ الذي اشترى ذلك العمق، فما كان من حكيم القرية إلا أن استجاب لمطالب أهل القرية وتدخل بحكمة فائقة، فأقنع التاجر بأن يعيد بيع عمق الجبل إلى أهل القرية ويبطل بيعه إلى صاحب النفوذ ذاك، وأدرك الناس حينذاك أن هدف صاحب النفوذ كان هو الاستيلاء على القرية من خلال شراء عمق الجبل، إلا أن وقفة ذلك الرجل الطاعن وفطنته نبهتا أهل القرية قبل فوات الأوان، فحفظوا قريتهم ومنعوا انهيارها وكان لهم ذلك.

ولو عدنا إلى تفحص حقيقة ما نبه إليه ذلك الرجل الطاعن لأدركنا أن بعض أصحاب النفوذ بفسادهم لا يبالون بما يجري على أحوال البلد أو الناس بقدر ما يهمهم أن تزداد ثرواتهم أو نفوذهم أو تتحقق مصالحهم، ذلك أن الحس الوطني لدى أمثال هؤلاء قد تلاشى وأصبح الاستيلاء على البلد واقتسامه والتعامل معه على أنه مشروع مؤقت هو غايتهم وجل سلوكهم، فلا غرابة أن نجد أن بلدنا من تدهور إلى أسوأ، ومن إشكال إلى إشكالات أكثر تعقيداً، فالبعض ممن في موقع السلطتين التنفيذية والتشريعية يمثلون أصحاب النفوذ، أو هم من أصحابها، ولم يعد البلد يعني لهم سوى حسابات تتضخم ومناقصات تتم ترسيتها عليهم وعقود توقع معهم بشتى الطرق على حساب البلد، ففسادهم لم يعد خافيا، وتصرفاتهم صارت سبباً جلياً لإضعاف البلد، ولا خيار لنا إلا أن يتم تطهير البلد من نفوذ أولئك الفاسدين وتضييق الخناق عليهم وكشفهم وملاحقتهم في كل المواقع، وهو ما نأمل أن تتضافر جهود أهل الكويت لتدعم الجهود في محاربتهم والتخلص من هؤلاء الفاسدين.