الحكومة قادرة على إفشال الجلسات بأكثر من وسيلة.. هكذا ترى إبتهال الخطيب

زاوية الكتاب

كتب 965 مشاهدات 0

د. إبتهال الخطيب

الجريدة

زوايا ورؤى-لمّ شمل

د. إبتهال الخطيب

 

سواء كنا نعتقد بمبالغات أو واقعية الدكتور الوسمي، نتفق أو نختلف معه، لا يمكننا تجاوز أهمية طرحه والذي دوماً ما يتبدى سوداوياً مرعبـاً، والذي استمر كذلك في مقابلته الأخيرة في برنامج باختصار. النقطة الأخطر والأهم التي دوماً ما ترد على لسان د. الوسمي هي المتعلقة بأدائية المشهد السياسي كله في الكويت، حيث يبدو المشهد كأنه مسرحية هزلية فقيرة النص فاقدة الحبكة، لم يبذل كتّابها ولو جزءا من الجهد المطلوب لإقناع الجمهور، الذي هو نحن، بها. كلنا نعلم أن المجلس مسير لا مخير، وأن المال السياسي يلعب الدور الأكبر في وصول النواب، وأن الحكومة تشتري بعض التصويتات، وأن الحكومة قادرة على إفشال الجلسات بأكثر من وسيلة، وأن المجلس الذي وضع ليراقب الحكومة تشكله في الحقيقة وفي النهاية الحكومة والنظام، وأن مصاب المال العام على يد المجلس قبل الحكومة مصاب فادح، فعلاً أو سكوتاً وتغاضياً، وأن الخلل عظيم ومركب بوجود أغلبية جيدة للحكومة في المجلس، وأن هذا المجلس هو أصلاً رهينة وضع مضبب بين نظام رئاسي ونظام برلماني بني عليه الدستور منذ بداياته. في الواقع كلنا نعرف المسرحية التي كتبتها الحكومة والنظام السياسي بركاكة، لكننا نقبلها ونتعايش مع مخلفاتها كل يوم كونها تبقى الخيار الأوحد والأقرب للشكل الديمقراطي الذي نتمناه والذي لا يزال يتباعد عنا أكثر فأكثر.

إلا أن الدكتور الوسمي، وكما في معظم المقابلات والأحاديث السابقة، وقع في عدد من التناقضات أولاً وأظهر عددا من المشكلات الغائرة التي خلفها لنا رموز حراك المعارضة ثانياً. أولاً، التلميح والتصريح المستمران من قبل الدكتور أن رموز المعارضة هم رموز لمحاربة الفساد فيه تناس لتاريخ طويل من هذا الفساد الذي خلفه لنا رموز المعارضة سواء بالفعل أو الصمت السابقين. إنه مما يقلل المصداقية ويحابي خللا دون خلل النظر إلى أطراف المعارضة على أنهم المستهدفون من قبل الدولة بسبب محاربتهم للفساد وكشفهم للسراق، وهؤلاء بحد ذاتهم لهم تاريخ طويل من محاباة السلطة والتمرغ في أنواع مختلفة من أشكال الفساد ليس أقلها وساطاتهم التي ملأت أماكن العمل بموظفين عاطلين والبيوت بعاطلين موظفين. ثانياً يعتقد الدكتور أن الإضراب ليس أداة ناجحة لأن حكومة 'مثل هذه' على حد قوله لا تتأثر بأدوات كهذه، وهل هذه الحكومة ستتأثر بمقاطعة الانتخابات إذاً؟ هل هي الحكومة التي ستتجاوب ونداءات الطرف الأضعف، الذي هو المعارضة الآن، من أجل عقد قمة مصالحة وطنية؟ كيف ينادي الدكتور بعدم المشاركة دون أن يقدم خطة واقعية عقلانية تجبر الحكومة على التجاوب معها وتأخذ المقاطعة لمرحلة لاحقة؟ ثالثاً، يقول الدكتور إن الخراب النيابي قديم وإن المشكلة ليست في عدد الأصوات إنما في النظام الانتخابي والسياسي للبلد بأكمله، إذاً لمَ شارك الدكتور في مجلس سابق لم تختلف ظروفه وبيئة فساده كثيراً عن الظروف والبيئة الحاليتين؟ لمَ قبل على نفسه أن يكون عضواً بعد حالات تزوير انتخابات واضحة وتعليق غير دستوري وغيرها من الممارسات الملتوية التي بدأت منذ تأسيس المجلس ولم تنته لحد اليوم؟ ولمَ يضع الدكتور الناس في صورة المذلولين المخدوعين لقبولهم بالمشاركة الآن في حين هو قد شارك في ظروف ليست بأقل خطورة أو تطرفاً؟

وأخيراً، من أكثر ما كان مؤسفاً في مقابلة الدكتور ولربما في معظم أحاديثه ومقابلاته السابقة هو الأسلوب الذي يعتمده في الطرح، والذي هو أسلوب أعتقده قد نشأ وقوي مع طرح المعارضة، من حيث استخدام التعابير المهينة والتشبيهات الاستهزائية التي تغير من طبيعة الحوار والمتحاورين، والتي أصبحت بكل أسف سمة ملازمة في أحاديث الدكتور.

نحن بلا شك بحاجة لعقول مثل عقلية الدكتور الوسمي على كل ما يبدو منه من سوداوية ومبالغات، لكننا بكل تأكيد بحاجة للارتفاع بمستوى الحوار وتغيير نبرة التخاطب. جميل أن تكون على حق، لكن ليس من الجميل أن تنشر بين شباب يحبونك ويستمعون إليك أسلوب تخاطب وحوار يشوه وجه الحق ويجبرهم على مجاورة العنف اللفظي والهبوط الحواري.

في حديث الدكتور الوسمي يتجلى واقع مؤلم وأسى شديد وحقائق مخيفة، بين كلماته ترن أجراس خطر مستحقة، في غضباته محبة وقلق ورغبة حقيقية في التغيير، لكننا لا نعرف تغييراً تحقق بحمل الضغائن والكيل بمكيالين، لا نعرف إصلاحاً تجلى بالتطرف في الكراهية والتعسف في الخطاب، لا نعرف تحولاً سلمياً ديمقراطياً تحقق بالصراخ والشتم إلا إذا كان تحولاً عنيفاً يروم انقلاباً، وهو ما وضح الدكتور أنه وكل المعارضة والتي أقدر نفسي أحد أطرافها ما كانت لتستهدفه قط. من يعيد ويكرر أن الحل هو مصالحة وطنية تعقد من خلال مؤتمر 'لمّ شمل' يجب ألا تكون منهجيته عنيفة اللفظ متعالية النبرة. نحتاج الصوت القوي الجريء المثقف العارف تماماً بمادة ما يتحدث عنه، وهي جميعها تتوافر في صوت الدكتور الوسمي، ولكننا نحتاجه صوتاً واقعياً عقلانياً، هادئاً في غضبه، متواضعاً في ترفعه، محسناً في قسوته، والأهم موضوعياً في نظرته حتى تتحقق المعادلة الصعبة.

آخر شيء:

تحيل الحكومة قناة العدالة إلى النيابة العامة بتهمة المساس بالقضاء على إثر مقابلة د. الوسمي، وهكذا وكالعادة إذا قصرت الحُجة تكمم الأفواه.

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك