شفافية السياسي مع مجتمعه مطلب حيوي في الممارسة الديموقراطية ولكنها منسية ومهملة في مجتمعنا.. برأي عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 1029 مشاهدات 0

د.عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي- دكتوران مرشحان

د. عبد اللطيف بن نخي

 

في مقال سابق نشر في يناير 2015 بعنوان «التعليم والتطرف»، أشرت إلى أن الأهداف التعليمية يمكن فرزها إلى ثلاثة نطاقات رئيسة: المعرفي (Cognitive) الحركي النفسي (Psychomotor) والسلوكي (Affective). وبتعبير أبسط، النطاقات الثلاثة هي تلك المرتبطة بتطوير العقل واليد والقلب، بذات الترتيب السابق. وأوضحت أن النطاق المعرفي - الأكثر ارتباطا بموضوع المقال - يتمحور حول تناول المعلومات والتفكير الناقد، ويتضمن أربعة مستويات متتالية من المهارات أدناها تذكر المعلومة، ثم فهمها وإدراكها، والاستفادة منها في تطبيق ما، ثم المستوى الأرقى الذي يعنى بالتفكير الناقد. وهذا المستوى الأرقى يحتضن ثلاث مهارات هي: تحليل المعلومة إلى عناصرها الأولية، وتقييمها وفق المعايير الملائمة، وتوظيفها في الوصول إلى استنتاجات. وقد تكون من بين الاستنتاجات، ثبوت الحاجة إلى المزيد من التحليل أو التقييم.

هذه المقدمة وظفتها في مقالي المذكور من أجل الربط بين افتقار الخريجين لمهارات التفكير الناقد وبين تنامي التطرف الديني المحلي، المتعلق بتفاقم الصراع الاقليمي، في حينه. وأوضحت أن منظومتنا التعليمية أنتجت أجيالا يسهل توجيهها وتضليلها لأنها تبرمجت على استقبال المعلومات، وقبولها من دون التحقق من مصداقيتها. أناس يفكرون بقلوبهم وعواطفهم لا بعقولهم وفطنتهم.

تجددت الحاجة لهذه المقدمة في مقال اليوم، الذي يتناول التطرف السياسي بشكل عام، مع التركيز على مرشحين اثنين لانتخابات مجلس الأمة، والاكتفاء بتسليط الضوء على أحداث استجواب الصبيح، لكونها ما زالت حاضرة في ذاكرتنا من جهة، ومن جهة أخرى لأننا عايشنا من خلالها إسرافا في الاستنكار والانحياز، وإفراطا في الهجوم العنيف على النواب والنشطاء السياسيين، على خلفية مواقفهم وآرائهم في الاستجواب، وخاصة جزئية سحب الثقة من الوزيرة.

كلنا في الكويت - حكومة وشعباً - متفقون على أن الفساد مستشرٍ بدرجة أن «بعارين البلدية» غير قادرة على حمل شواهده ومظاهره. وهناك العديد من المواطنين الذين كانوا مؤيدين لسحب الثقة من الوزيرة، سواء بالتصريح العلني أو الضمني، من خلال إعادة نشر صور وثائق رسمية تظهر بعض مظاهر الفساد في المؤسسات التابعة للوزيرة، من دون التحقق من مصداقيتها أو خلفياتها وأبعادها. لا أقول إنها كانت مفبركة، بل أرى أنه يجب أن نطمئن لسلامة الوثائق التي نشارك في نشرها. أضف إلى ما سبق، أن بعض المهتمين بالاستجواب كانوا متصلبين في آرائهم، بحيث كانوا يرفضون الاستماع إلى مبررات وحجج الطرف الآخر.

هذه الدرجة من التطرف السياسي ظهرت في إهمال البعض لآراء الثقاة من أصحاب الشأن في محور أو أكثر من محاور الاستجواب. فعلى سبيل المثال لم تتفاعل مجموعة من المتحاورين مع مداخلة من أحد زملائهم الجديرين بالثقة، من ذوي الإعاقة الحركية الشديدة الدائمة منذ الولادة، التي أيد فيها جهود الوزيرة الإصلاحية، حسب وصفه، في هيئة المعاقين، حيث قال لمحاوريه إن الهيئة كشفت العديد من حالات التزييف وسرقة المال العام، من خلال تنقيح ملفات الإعاقة وإعادة الكشف الطبي لجميع المعاقين.

وأكد لهم أنه يثني على تلك الإجراءات، رغم كونها تسببت في تأخير تجديد شهادة إعاقته. الشاهد أن الجمهور كان في مجمله متحمسا لسحب الثقة من الوزيرة، والتصريح بخلاف ذلك التوجه كان يتطلب درجة عالية من الشجاعة، بغض النظر عن كون دوافعه مبدئية أو منفعية.

لذلك لم يكن غريبا أن نجد مرشحي مجلس الأمة يصرحون بقوة ضد أداء الوزيرة، وكان من بينهم دكتور أفرط في الطرح المتطرف... فمنذ الأيام الأولى، اتهم النواب المؤيدين للوزيرة بالانبطاح! واتهمهم بأن مواقفهم مبنية على منافع من طرف الوزيرة، واعتبر كل من يدافع عن هؤلاء النواب «شبيحا». الغرابة تتضاعف إذا علمنا أن زملاءه في العمل يتهمونه بالتطبيل لوزراء الجهة التي ينتسبون إليها، وكانوا يعتبرونه قبل سنوات قليلة «شبيحاً» للوزير الذي وهب له العديد من المكاسب الوظيفية، سحبت بعضها لاحقاً، بأحكام قضائية.

الاستثناء الذي أنا لاحظته بين المرشحين كان أيضا دكتوراً، حيث صرح منذ الأيام الأولى بأن الوزيرة تحارب الفساد في هيئة المعاقين وتحتاج كل دعم! أكرر بأنني لست معنيا في هذا المقال بتقييم الوزيرة، بل أسعى إلى تغيير مفهوم المرشح أو السياسي الناجح في الثقافة المجتمعية، من شخص قادر على توظيف نتائج الاستقراء لزيادة رصيد أصواته الانتخابية، إلى مبدئي قادر على مواجهة نتائج الاستقراء والعمل من أجل تصحيح وجهة الشارع السياسي. لذلك لا بد أن أسجل إعجابي بموقف هذا الدكتور، وبمنهجيته في التعاطي مع ضغوط المؤيدين لسحب الثقة من الوزيرة. فالدكتور كان صريحا مع محاوريه منذ البداية، ولم ينسحب أمام الموجة المعارضة لرأيه في الاستجواب، بل صمد على موقفه المبدئي، وبادر وداوم على توعية محاوريه بأبعاد ملف الإعاقة، باسلوب علمي، كونه أحد المختصين فيه. ولكن لا بد من الاشارة إلى أنه لم يغرد برأيه من الاستجواب في «تويتر»... وأنا أتفهم الاسباب جيدا.

شفافية السياسي مع مجتمعه مطلب حيوي في الممارسة الديموقراطية، ولكنها منسية ومهملة في مجتمعنا، بل أننا نمنع السياسيين من الشفافية، باتهامهم في ذمتهم إذا خالفوا توجهاتنا، وبعدم استنكارنا من يتهمهم من دون دليل، وبتقاعسنا عن المطالبة بتطوير معايير النزاهة والشفافية في البرلمان... «اللهم أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه».

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك