حينما تنقلب الموازين.. بقلم محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 863 مشاهدات 0

د. محمد المقاطع

 

القبس

الديوانية- حينما تنقلب الموازين

د. محمد المقاطع

 

من يتمعّن في آيات القرآن الكريم يدرك عظمة الله جل شأنه، ففي القرآن من الإعجاز والبيان ما لا يمكن تعقبه ولا حصره، بل تقف أمامه كل عقول البشر ذهولاً وقصوراً؛ إذ إنه كلما تمعّن فيه إنسان وجد معاني وأحكاماً وعِبراً لم يدركها عقل بشر قبله، وتلك سمة الكمال، ودلائله «كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ».

ومن مظاهر الإعجاز الرباني أنه جعل لكل شيء ميزانه، سواء كائناً حيّاً كان أو جماداً، لأنه من دون هذا الميزان تختل الأمور. ومن هذا الأساس الرفيع صار للإنسان في تعامله مع ربه ميزان يحسب به قربه أو بعده من الله تبارك وتعالى، وبمثل هذا الميزان يتعرّف الإنسان ضوابط علاقته بغيره من الناس، وإن كان منصفاً لهم أو منتقصاً منهم، وبمثل هذا الميزان يستوعب المرء العلاقات بين الحق والباطل. وانطلاقاً من هذا الميزان يرتّب الشخص علاقاته العائلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحياتية. وعلى هدي هذا الميزان ترسو العدالة، وأي خلل فيها فإن آثاره سلبية، وربما وخيمة عليه. وذلك الميزان هو جوهر ومحور علاقات الدول بعضها ببعض. ويغدو مثل هذا الميزان أكثر أهمية وإلحاحاً في شؤون الدول الداخلية، وعلى وجه الخصوص في علاقة سلطات الدول بشعوبها.

ويبدو أننا في الكويت من الدول التي نحتاج، وبصورة واضحة، للتأكيد على حيوية هذا الميزان لوطننا الغالي، هذا الوطن الذي أسسه آباؤنا وأجدادنا بصورة بارعة، فذلك الميزان كان دائماً وأبداً نصب أعينهم، فورثونا وطناً أُقيم على أساس ميزان تعادل كفتي الحاكم والمحكوم بتوافق ورضائية يوم ميلاد الدولة وعبر حقبها الزمنية المتعاقبة، وميزان أن حب الأسرة الحاكمة بولاء هو جزء من صون مكانة الإنسان وكرامته، ميزان لا يعرف تصنع المديح لصاحب السلطة والقرار ولا يخشى موقعه ولا مكانته؛ إذ ينال احتراماً ويسمع نصحاً ونقداً بما يحفظ استقامة الميزان وعدم ميله، ميزان في بناء دولة عصرية بمؤسسات تكرّس للحاكم مكانته وسلطات محسوبة وتفسح للشعب مشاركة راسخة في تولي شؤون الدولة وإدارتها بصلاحيات منضبطة من دون تفريط أو إفراط بكفة ذلك الميزان، ميزان أقام دستوراً، أنشأ سلطات، وحدد أدواراً لا ينبغي لأي منها أن تطغى على الأخرى أو تحيد، منبعه نظام أميري وديموقراطية سيادتها شعبية. ولذا فإنه حينما تختل بعض الموازين بسبب النسيان أو الغفلة أو التجاهل أو بسبب الميل إلى رأي مجموعة أو فئة ممن تحركهم مصالحهم، فإن نتيجته هو أن يكون نصيب وطننا الضعف الواضح الذي يعتري السلطتين اليوم، وقد ألحق ذلك عدم قدرة السلطتين على القيام بمهامهما وسهل تفكيكهما، وتدهورت أحوال البلد، وتفككت معظم مؤسساته، وأصيب بنكسة التراجع، وهو ما ينبغي معه أن ندرك بأن ميزان حياة الدولة يحفظ لها وحدتها ومنعتها وقدرتها على النجاح والتنمية وتحقيق الأمن والعدل والاستقرار، أما إن تم اختلال أي كفة بالميزان فيقف حال الدولة ويسودها الاختلاف والتنازع اللذان يورثان بعد ذلك ضعفاً مزمناً بالدولة، ربما لا تتمكّن من الخروج من دوّامته.

اللهم أدم على كويتنا نعمتي الأمن والأمان.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك