فيصل السبيعي يكتب عن أنواع الكتاب

زاوية الكتاب

كتب 494 مشاهدات 0


الرأي المختلف / كتّاب آخر زمن قال لي بعض الأصدقاء والمعارف إن ما اكتبه انا وغيري نقدا، فاننا بذلك نكون كمن ينفخ في قربة مقطوعة! ومع الأسف فانني سمعت مثل هذا الكلام كثيرا! وانه اذا لم يوجد في هذا البلد من ينقد الخطأ، حتى ولو كانوا قلة، فان ذلك يعتبر كارثة بكل المقاييس! إذا لم نتكلم ونكتب ما نراه حقا فنكون كالشيطان الاخرس! اما نتيجة ما نقوله ونكتبه فان ذلك ليس من مسؤوليتنا لاننا اصحاب رأي ولسنا اصحاب قرار! البعض منا فعلا يصيبه الاحباط واليأس والتوقف لبرهة من الزمن، ولكن سرعان ما نعود إلى الكتابة التي ولجت اليها منذ اكثر من عقدين من الزمن... والمثل يقول «عليّ ان اسعى وليس عليّ ادراك النجاح والحقيقة». الكلمة الطيبة التي نقولها ونكتبها لربما تؤتي اكلها، والكلمة الطيبة الحقيقية هي الكلمة الناقدة! وهي سلاح بتار قوي! وهي عمل انقلابي يستهدف تغيير الإنسان إلى الأفضل... والكتابة هي اشتباك يومي ضد القبح والتخلف والفساد، وهي تحريض على الخير والهجوم على الشر، الكلمة هي الشرارة التي تطلق الصاروخ وهي ابرة ضرب النار التي تطلق القذيفة... النقد الجاد المخلص والمجرد عن الهوى هو جهاز استشعار للحكومة نفسها لكي تتبين اوجه القصور في ادائها وهي بمثابة اجهزة رصد للرأي العام! وان كانت وجهة نظر الناقد تحتمل الخطأ فان سكوته عنها يعتبر خطيئة! اننا جميعا- حكاما ومحكومين- اخوة ومواطنين في مركب واحد... كلنا يخطئ ويصيب، وإن من يهاجم أو ينتقد الحكومة ليس بالضرورة يضمر الشر او متحاملا او حاقدا! وكذلك الحكومة التي تهاجم ليست بالضرورة شريرة او مستبدة! انه خلاف في وجهات النظر بين افراد العائلة الواحدة على اسلوب الادارة والسياسة الواجب اتباعها داخليا وخارجيا لصالح الوطن... والكلمة الناقدة تحرك وتحرض وتنبه للخطأ وتضع الحلول التي تغيب على احد منا، ونحن بشر ولا أحد منا على أي مستوى يحتكر الحكومة، كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون الذين لديهم الشجاعة للاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل! وبهذه المناسبة فان اصحاب الرأي والكتابة ينقسمون إلى ثلاثة أنواع... النوع الاول وهو الكاتب والناقد والذي تحدثنا عنه... اما النوع الثاني فهو الكاتب المحايد الذي يتكلم كثيرا ولكنه لا يقول شيئا! وهو الذي يكتب كثيرا جدا ولكنه لا يقدم شيئا نافعا! ومهما كثر انتاجه الا ان المحصلة النهائية هي صفر كبير! وانني اشير إلى ما قاله الكاتب والفيلسوف الايطالي دانتي (1265-1331) حين قال: «هناك في قصر جهنم مكان محجوز لاولئك الذين يقفون على الحياد عندما تتعرض القيم للخطر»! اما النوع الثالث فهو الكاتب المنافق! فهو كالأفعى السامة التي تنفث سمومها في المجتمع، فيلبس الشر لباس الخير، ويلبس الخير لباس الشر! يقول عن الفشل والاهمال انه انجاز تاريخي! ويقول عن الغباء انه عبقرية فذة! ويقول عن عدم الكفاءة انه «فلته من فلتات الزمان» في الكفاءة، ويقول عن الفساد انه الشرف بعينه! ويتحفنا بمقالات طويلة مملة تدعو إلى السخرية والضحك من هذا الاسفاف، ويوقع على مقاله وكأنه موقع على شهادة وفاته لانه لا يجد من يقرأ مقاله المخالف! ما عدا الذين ينهجون نهجهم... اما الصحف التي تعطي الفرصة لهذا الهراء، انما هي تساهم في ماراثون النفاق الرخيص. هذا النوع من الكتاب هو اشد الكائنات خطرا على المجتمع وحتى على من ينافقه وكأنه بذلك يدعو الناس إلى كراهية من ينافقه، فهو كالدابة الغبية التي قتلت صاحبها! واذا اصبح الكاتب اداة للآخرين لان قلمه يحركه المال او تيار او شخص نافذ او مصلحة معنوية، وهذا مكمن الخطر! صحيح تكون هناك هفوات ومجاملات عفوية احيانا لدينا جميعا، ولكن لا تتعارض مع المبدأ والحق ولا تصل إلى درجة الاسفاف الواضح المستمر! وإنني لن أنسى مقالا لاحدهم قرأته بالصدفة يقول عن شخصية كبيرة انه شخصية غير سوية، ويتغابى هذا الكاتب على الواقع الذي يدل دلالة صارخة على عكس ما يقول لما يتمتع به الاول من قاعدة جماهيرية عريضة ومواقف وطنية فذة! واعتقد انه من قرأ هذا المقال لم يمسك نفسه من الضحك والسخرية على هذا المستوى المتدني من الكتابة كما انه لم يتمالك نفسه من الاشفاق على هذه الشخصية الفذة الخارقة في السب والقذف! وآخر يتحفنا كل يوم بأسلوب غريب تقليدي مستهجن... واشك ان هذا الكاتب ليس لديه المام بأبجديات الكتابة، وسخر نفسه مطية للآخرين يحركوه كالشطرنج! لماذا لا توجد خطوط حمراء او اقرار ميثاق شرف لدى هذه الصحف لكي تحذف هذا الهراء الذي يضر بسمعتها؟ وبهذه المناسبة فانني لا اعفي من مسؤولية تدمير القيم هذه اولئك الذين يتقبلون هذا النفاق ويسعدون به ولا يحاولون ردعه واقصاءه وتنتفخ اوداجهم سعادة وتصديقا لما يقوله المنافق عنهم وليس لديهم اي فكرة عما يقوله الرأي العام ويتندر به؟ المنافق اذا لم يجد من يشجعه ويصفق له فانه سيقلع عن النفاق، ولكن ماذا نقول والنفاق موجود في كل البلاد وفي كل العصور؟
الراي

تعليقات

اكتب تعليقك