هؤلاء الذين يجنون الأموال من وراء استغلالهم لظروف ضحاياهم أشبه بتجار الحرب.. كما يرى عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 3193 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي- تجار قانون الجزاء

د. عبد اللطيف بن نخي

 

في الايام الأولى من بعثتي لدراسة الدكتوراه، كنت ضيفا في منزل استأجره أخي الدكتور حذيفة وصديقه الدكتور عدنان. وفي الليلة الأولى من استضافتي، أعد لنا أخي وجبة غداء/عشاء كويتية دسمة. ومن أجل تفادي انتشار الأبخرة والروائح - الناتجة عن الطبخ - داخل صالة المنزل المتصلة بالمطبخ، فتحنا شباك المطبخ كاملا.

بعد الاستمتاع بتناول الطعام والشاي الإنكليزي، والتحاور حول بعض الشؤون الكويتية الساخنة آنذاك، والانتهاء من غسل الأواني وأوعية الطبخ، انتقلنا إلى غرف النوم بالدور العلوي. ولكننا نسينا أن نغلق الشباك، كما نسينا أن نفعل نظام الأمن المنزلي.

ومن سوء حظنا وحظه، في تلك الليلة، دخل لصا علينا - ونحن نيام - عبر نافذة المطبخ التي نسينا أن نغلقها. وبعد أن قطع التيار الكهربائي بواسطة المفتاح الرئيسي، صعد إلى الدور العلوي، للبحث عن صيد أثمن من الأجهزة الكهربائية التي كانت متوافرة في الدور الأرضي. ويبدو أنه بدأ جولته الاستكشافية في غرفة الدكتور عدنان، المزودة بنظام أمني كويتي، حيث كانت أرضية الغرفة ملغمة بالكتب والمذكرات الطبية وأوراق المحاضرات، فضلا عن كيسين بلاستيكيين فارغين.

المراد أن خطوات اللص اصبحت تصدر صوت «خرخشة» أيقظت الدكتور الذي صرخ بوجه اللص، والذي بدوره لاذ بالفرار بسرعة البرق. ما زلت أتذكر صوت خطوات اللص وهو يهرب، وتحديدا أثناء نزوله من السلم، حيث إنه اجتاز ما يقارب العشر درجات بثلاث خطوات، احتمل أن إحداها كانت برأسه لا بقدمه.

الشاهد أنني عرفت لاحقا، أن القانون يميز كثيراً بين اللص الذي يدخل المنزل من خلال نافذة وجدها صدفة مفتوحة، وبين الآخر الذي يقتحم المنزل عبر كسر الأبواب مثلا. فالأول أستدرج إلى السرقة، وأما الثاني فقد ارتكب جريمة عن سابق إصرار وترصد. وعليه تكون عقوبة الثاني أشد بكثير من الأول.

قصتنا مع اللص البريطاني الذي «استدرجناه» عن غير قصد، تذكرتها عندما لاحظت أن بعض المغردين الكويتيين - من مستويات أكاديمية مختلفة - يستدرجون ضحاياهم إلى مكيدة ارتكاب مخالفات قانونية، غالبا تلك المتعلقة بجريمتي السب والقذف الواردتين في قانون الجزاء، ومن ثم مقاضاتهم أو مساءلتهم عليها. وذلك إما طمعا في التربح منهم، من خلال مطالبتهم بتعويضات مالية كبيرة، أو رغبة في إلحاق الأذى بهم، عبر إلزامهم بدفع غرامات للدولة بآلاف الدنانير، أو من أجل تقييد حريتهم وإدخالهم السجن لسنوات متعددة.

فعلى سبيل المثال، قبل سنوات قليلة، امتهن واعتاد بعض المغردين المتطرفين - بينهم مرتزقة - على استدراج مغردين هاوين، إلى مخالفات عقوبتها السجن لمدد تصل إلى عشر سنوات وأكثر. وقد يكون أبرز ضحاياهم، المغرد الذي حكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بسبب تغريدتين، كانتا ضمن سلسلة تغريدات متبادلة بينه وبين طرف آخر استفزه ودفعه نحو تجاوز الخطوط الحمراء، التي لم تكن واضحة في حينها للمغردين.

بالنسبة لي، أحدث تغريدة استدراج رصدتها، كانت صادرة من مسؤول سابق، تمت إقالته من منصبه الاشرافي بحكم قضائي لعدم أحقيته بالمنصب. وفي تلك التغريدة، نفى المسؤول السابق خبر إقالته، وطالب ناقل الخبر، وهو أحد منتقديه سياسيا، اثبات صحة معلوماته في شأن الحكم القضائي. ولكن ناقل الخبر - ولله الحمد - امتنع عن نشر صورة الحكم في وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه يدرك - كما يدرك المسؤول المقال - أن نشرها مخالف للقانون، وسوف يعرضه للمساءلة القانونية... ومطالبات بتعويضات مالية من قبل المسؤول المقال نفسه.

أرى أن هؤلاء الذين يجنون الأموال من وراء استغلالهم لظروف ضحاياهم، المتمثلة في ضعف ثقافتهم القانونية وشدة العقوبات المالية المرتبطة بالمخالفات الشائع ارتكابها في وسائل التواصل الاجتماعي، أرى أنهم أشبه بتجار الحرب الذين يخلقون ويضاعفون ثرواتهم من خلال استثمار ظروف الناس في الحروب. فمن بين أبرز الصفات الخطرة المشتركة بينهم هي الأثرة والأنانية، فهم يحبون أنفسهم ولا يفكرون في غيرهم، ولا يترددون أو يتوانون عن الإضرار بغيرهم ومن حولهم إن كان في ذلك مصلحتهم. لذلك يجب تجنبهم والحذر والتحذير منهم، خاصة إذا كانوا يسعون إلى كسب المزيد من النفوذ والنقود... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك