العديد من أنشطة نشر الوعي الديني أقرب إلى معاداة واستفزاز الآخر من تعزيز التسامح .. برأي عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 3554 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي - التطرف ونشر الوعي الديني

د. عبد اللطيف بن نخي

 

في مساء السبت الماضي، نظم ديوان الكتاب والأكاديميين بمنطقة الرميثية، ندوة بعنوان «المجتمع الكويتي... بين التسامح الاجتماعي والاستفزاز السلوكي» ألقاها الدكتور كاظم أبل. وكعادته جمع الدكتور أبل بين حسن اختيار الموضوع وبين الجرأة في الطرح، إضافة إلى استعانته - في تلك الندوة - بشاشة لعرض محتوى محاضرته.

لذلك لم يكن غريبا تفاعل الحضور معه في تلك الأمسية الثقافية، ابتداء بحسن الاستماع إلى كلمته، وتسجيل الملاحظات على بعض مضامينها، وتصوير بعض الشرائح التي عرضها على الشاشة. ومرورا بالتعقيب على ما جاء في محاضرته، وطرح الأسئلة والتساؤلات بشأنها. وانتهاء بالحوارات المباشرة معه بعد انتهاء الندوة.

ولكنني للأسف، اضطررت للخروج أكثر من مرة لاستقبال اتصالات عدة مهمة، فلم أتمكن من المشاركة الايجابية في الندوة، التي تميزت بمحاضرها ومحاضرتها وحضورها. لذلك قررت أن أعوض خسارتي تلك، من خلال الاستثمار في مقال هذا الأسبوع، كمنبر لعرض وجهة نظري في جزئية مهمة طرحها الدكتور أبل في محاضرته.

من بين المحاور الحساسة التي تناولها الدكتور، استعرض وسائل تخفيف حدّة وشدّة التطرف في المجتمعات. وكان نشر الوعي الديني من بين أكثرها جذبا لاهتمامي وإشغالا لذهني. فبالرغم من اتفاقي مع الدكتور من حيث المبدأ في شأن الآثار الايجابية المنشودة من مشاريع نشر الوعي الديني، إلا أنني أرى أنه يجب في الوقت نفسه الاحتراس والحذر من آثارها السلبية المحتملة.

فعلى مستوى الشرق الأوسط، بعض مشاريع نشر الوعي الديني ساهمت في تهيئة المناخ الاجتماعي الراعي لقمع الحريات الدينية للأقليات، وعدد منها زادت من الاحتقان بين الطوائف الدينية، وأخرى تفاقمت إلى أزمة سياسية بين دول متجاورة أو متباعدة، كما حصل بين ماليزيا وإيران في سنة 2013.

فكما أن هناك وسطيين يوظفون مشاريع نشر الوعي الديني من أجل معالجة التطرف في المجتمعات، هناك أيضا متطرفون يستخدمون مشاريع مناظرة لتعزيز التطرف. الاشكالية تكمن في اختلافنا - بدرجات قد تصل أحيانا إلى التناقض - في تعريف وتحديد تفاصيل ودقائق الوعي الديني المراد نشره. فما يراه البعض منا مستحباً يستحق توعية الناس من أجل تشجيعهم على ممارسته، قد يراه بعضا آخر شركا يستوجب توعية الناس لتجنبه وتأييد تجريمه والمشاركة في منعه.

وقد تكون الخطابات الدينية التي تبنتها التنظيمات الارهابية المتأسلمة، لتجنيد مقاتلين في صفوفها وتبرير جرائمها ضد الأبرياء، نموذجاً صارخاً لما قد تنتهي إليه بعض أنشطة نشر الوعي الديني. وبالرغم من معرفتنا بوقوف أنظمة استخباراتية وجهات مشبوهة وراء نشأة ونمو تلك التنظيمات، إلا أن ذلك لا ينفي أنها نجحت في توظيف خطاب ديني لنشر التطرف في عقول شركاء لنا في الوطن والدين.

قد يعتقد البعض أن تلك التنظيمات الارهابية نجحت في خطاباها التضليلي، لأن مجتمعاتنا المعاصرة ابتعدت كثيرا عن الاسلام الأصيل. ولكن تاريخنا الاسلامي وثق العديد من حملات نشر وعي (تضليل) ديني منذ صدر الاسلام. وتكفيني الإشارة هنا إلى الجدل الذي دار بين جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وجيش معاوية بن أبي سفيان في معركة صفين، بعد استشهاد الصحابي الجليل عمار بن ياسر، الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وآله - تقتلك الفئة الباغية، حيث تصادمت - في حينها - حملتا توعية دينية مخصصتين لتحديد الفئة الباغية التي قتلته: هل هي التي طعنته في ساحة المعركة أم التي أحضرته إلى الساحة؟!

رسالتي في هذا المقال مفادها بأن العديد من أنشطة نشر الوعي الديني أقرب إلى معاداة واستفزاز الآخر من تعزيز التسامح والتضامن الاجتماعي، وأقرب إلى قمع حرية العقيدة والعبادة الدستورية من حمايتها، وأقرب إلى توسعة النفوذ السياسي من الذوبان في الوحدة المذهبية أو الوطنية أو الاسلامية أو الانسانية. نعم، توظيف ما يصنف كوعي ديني ضد الآخر، غير مقتصر على العلاقات التنافسية بين الديانات، فهي مستشرية أيضا بين المذاهب في الديانة الواحدة، وبين أتباع المرجعيات الدينية والمدارس الفكرية في المذهب الواحد.

من يرغب في تعزيز التعايش السلمي وتخفيف التطرف الديني والاستفزاز السلوكي في القضايا الدينية، عليه أن يتبنى نشر ثقافة التسامح الديني، ثقافة لا إكراه في الدين، ثقافة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وعليه أن يمارسها في منزله وفي المدرسة والمسجد والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك