حامد الحمود يكتب.. لبنان واللاجئون السوريون

زاوية الكتاب

كتب د.حامد الحمود 1322 مشاهدات 0

د. حامد الحمود


القبس

لبنان واللاجئون السوريون

د. حامد الحمود


من اختار أن يقضي إجازة الصيف هذا العام في لبنان، كان موفقاً. ففي الوقت الذي كانت أوروبا تعاني من موجة حر قياسية، كانت الحرارة على ارتفاع ألف متر من جبل لبنان لا تتعدى 25 درجة مئوية في عز الظهر. أما عند منتصف الليل، فكانت الحرارة تهبط إلى 17 درجة مئوية في مصايف، مثل حمانا والشبانية وبحمدون. فكل شيء كان رائعاً هذه السنة، وقد استفادت حمانا من مسلسل الهيبة الذي صور فيها لتقدم نفسها كوجهة سياحية. وأضاف إلى غنى نشاطها هذه السنة البرنامج الفني المميز الذي قدمته «دار الفن» في حمانا – التي تأسست بتبرع كريم من روبير عيد – وتضمن برنامجها الفني عروضاً موسيقية محلية وأجنبية صنعت في حمانا مهرجاناً مصغراً لما يجري في بيت الدين، أو بعلبك أو بيبلوس. لكن كل هذه البهجة وهذا الجو الجميل لا يستطيعان أن يخفيا الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعيشها لبنان، ولا يستطيعان أن يخفيا أن لبنان أصبح ملجأ لأكثر من مليون لاجئ سوري بحسب تقدير الأمم المتحدة، وإلى أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ وفقاً لإحصائيات الحكومة اللبنانية. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن %58 من اللاجئين يعيشون في فقر مدقع، و%75 يعيشون تحت خط الفقر.

ويشكّل هذا التواجد السني الإضافي في لبنان مأزقاً لحليفي النظام السوري «المنتصر»، المتمثلين بحزب الله والتيار الوطني الحر، فهما الأكثر اندفاعاً لرجوعهم لبلادهم، ولكن النظام السوري لا يشاركهما الحماس لعودتهم. فهم أصلاً من المناطق التي حاربت النظام وعودتهم تشكل عبئاً أمنياً عليه. لكن استمرارهم في لبنان يقلب التوازن الطائفي في لبنان لمصلحة السنّة والذي يقلق كلاً من حزب الله والتيار الوطني. والأمر لا يتعلّق بتوجه النظام السوري فقط، وإنما العالم كله يدرك أن الوضع الحالي في سوريا لا يسمح بعودتهم بالرغم من «انتصار» النظام السوري. ففي المؤتمر الذي استضافه الاتحاد الأوروبي في نيسان الماضي حول سوريا، أعلن فيه أن الظروف الحالية في سوريا غير مناسبة لعودة اللاجئين. لكن أهم ما اطلعت عليه أخيراً حول ان كانت عودة اللاجئين إلى سوريا مناسبة أم لا؟ كان ما نشرته مها يحيى – مديرة مركز كارنيغي في الشرق الأوسط – في دورية «فورين أفيرز» بتاريخ 28 – 05 – 2018، تحت عنوان «ما الذي يجعل اللاجئين يعودون إلى سوريا؟»، وميزة الدراسة أنها ناتجة من بحث ميداني تم فيه عمل استبيان لآراء عينة واسعة من اللاجئين السوريين في لبنان وغيره.

وقد كشف الاستبيان أن أهم عامل يؤدي إلى تحفيز العودة وفقاً للبحث الميداني، هو الأمن والسلامة. والأغلبية العظمى ترى أنه من دون تغيير في النظام، فإن الأمن لن يتوافر لهم. فالأمن لا يتوافر بمجرد وقف إطلاق النار، إنما يرون أن أجهزة النظام الأمنية تعاديهم، وسيتم الانتقام منهم عند العودة. وحتى مغادرة نظام الأسد غير كافية للكثير منهم، حيث إن لديهم خوفاً كذلك من الفئات المسلحة المعادية للنظام والتي تحوّلت إلى عصابات تهدد الأمن.

ووفقاً للبحث الميداني، فإن من معوقات العودة كذلك هو وجود قانون التجنيد الإجباري الذي يرى فيه الكثير أن النظام الطائفي في سوريا يستخدمه للتخلص من الشباب السنّة بزجهم في حروب لتدعيم نظامه. العامل الآخر الذي سيدفع المواطنين إلى العودة كذلك أن يكون النظام البديل عادلاً. فالعدالة الاجتماعية ضرورة لجذب السوريين إلى موطنهم.

ووفقاً للبحث الميداني، فإن الفرص الاقتصادية لم تكن هاجساً أو عاملاً مهماً، والتي ترى الباحثة أن ذلك كان مفاجأة لها. فالكثير كان يظن أن الفرص الاقتصادية كانت ستكون لها الأولوية.

لذا، فإن مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان غير واضحة المنتهى. فالسوريون كانوا دائماً لاجئين في لبنان حتى قبل اندلاع الثورة على النظام عام 2011، فعندما أتجول في لبنان قرب موقع عمل أغلبية العمالة تكون من سوريا. والأعمال الزراعية في مناطق الاصطياف أغلبيتها من الجالية السورية. ومعظمهم كانوا موجودين قبل اندلاع الثورة، ولكن أعدادهم تضاعفت كثيراً، حيث إن عوائلهم التحقت بهم بعد التدهور الأمني. وكثيراً ما ألتقي بأطفالهم. وأشعر بسعادة عندما أعرف أنهم يلتحقون بالمدارس الرسمية اللبنانية في حمانا والشبالية. وأتحدث إليهم أحياناً وأسألهم عن أحلامهم الدراسية. هؤلاء مع حياتهم البسيطة والصعوبات التي يواجهونها، يبقون محظوظين، فآباؤهم يعملون، وهم يداومون في مدارس مميزة نسبياً. ولن أنسى جواب أو حلم الطفلة السورية التي عندما سألتها: ماذا تودين أن تدرسي عندما تكبرين؟ فأجابت: «طبيبة أسنان عمو».

وعندما قابلت الصديق جورج في المقهى الذي يديره بحمانا، تحدثنا عن تاريخ حمانا، وكيف انتقل إليها كثير من عوائلها من حتشيت، وكيف انتقلت عائلته من صور. ثم علّق قائلاً: «يا أخي، الإنسان ينتمي إلى المكان الذي يعيش فيه، فانا ابن حمانا، وإن كان جدي قد قدم من صور… ثم أضاف حتى هؤلاء الأطفال السوريون الذين يعيشون بيننا الآن سيجدون صعوبة في العيش في مكان غير لبنان».

تعليقات

اكتب تعليقك