د. عبداللطيف بن نخي يكتب: خصوم الهوية المدنية

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 630 مشاهدات 0


الراي:

إلى جانب كونه منظماً للعلاقة بين سلطات الدولة، يعتبر الدستور الكويتي وثيقة لضمان الحقوق والحريات الفردية. فتجد بين مواده ما يلزم الحكومة بحماية تلك الحقوق والحريات، ولكنه في الوقت نفسه، يشترط ألا تشكل ممارستها تهديداً أو مساساً بالنظام العام.
بالرغم من أن جميع النظم العامة تعنى بضمان الأمن والسلم الاجتماعي، إلا أنها تختلف من دولة إلى أُخرى، وتتغير في الدولة الواحدة من زمن إلى آخر، لأن هذه النظم مرتبطة بشكل وثيق بهوية المجتمع وقيمه، التي يحرص المجتمع على صونها، وهي بذلك أشبه بالإحداثيات المستخدمة في رسم الحدود الفاصلة بين الحرية والفوضى.
لذلك نجد أن مجلس 1981، الذي كانت هويته دينية متطرفة، انبثقت من التطرف الذي كان يتنامى في المجتمع؛ هذا المجلس أقر القانون رقم (1) لسنة 1982 بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية الكويتية، الذي أضيف بموجبه الاسلام كشرط لتجنيس الأفراد وفق المادة الرابعة من قانون الجنسية، الخاصة بتجنيس من «يكون على كفاية» أو من «يقوم بخدمات تحتاج إليها البلاد».
هذه الإضافة تتعارض بشكل صارخ مع المادة (29) من الدستور، التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين». وبالرغم من كونها مخالفة صريحة للدستور، وافق المجلس عليه بصفة الاستعجال وباجماع الحضور، في المداولتين في جلسة واحدة بتاريخ 22/‏ 12/‏ 1981م. ومما يضيف في غرابة هذا التعديل غير الدستوري، أن الرئيس الأسبق للمجلس السيد أحمد السعدون هو أحد مقدمي هذا الاقتراح بقانون! الشاهد أن هوية المجتمع هي التي سمحت، بل حفّزت ذلك المجلس على ارتكاب هذا الخرق للدستور.
لا شك أن تشريع هذا القانون منع الكويت من تجنيس واحتضان عدد من الثروات البشرية المتميزة. ومن بينهم قائد تنمية بنك محلي، يرفعه إلى مصاف بنوك عالمية مرموقة. ولكن الخسارة والضرر الأشد من وراء هذا التشريع، يكمنان في تغذيته وتعميقه للتطرف الديني في المجلس والمجتمع. فسمح لاحقاً لذات المجلس بممارسة سلوك إقصائي تجاه شرائح كويتية، حيث وافق مجلس 1981 على تشريع قانون للأحوال الشخصية، للشريحة الأكبر في المجتمع، قانون رقم 51 لسنة 1984، من دون تشريع قوانين مناظرة للشرائح الأخرى. ومع مرور السنوات، تفاقم هذا النفس التشريعي المتطرّف، إلى أن وصل الحال إلى أن يوافق المجلس المبطل الأول على تشريع قانون إعدام المسيء.
لست هنا بصدد تقييم أداء النواب السابقين، الذين أكن لجلّهم كامل الاحترام، بل أسعى لبيان خطورة ذلك الأداء السياسي الإقصائي، الذي مارسه بعضهم مرحلياً وآخرون أبدياً، على حساب تماسك نسيجنا الاجتماعي وأمننا الداخلي.
بعد مرور ما يقارب 35 سنة، أي في مجلس 2016، بدأنا نشاهد بعض مظاهر صحوة دستورية، ومساع جريئة لإصلاح هوية المجلس، لكي تعود إلى أصالتها الدستورية. حيث تشكلت مجموعة فسيفسائية تمثل جميع شرائح المجتمع، متكاملة في ما بين أعضائها، من داخل المجلس ومن خارجه، من أجل قيادة رحلة العودة إلى الهوية المدنية، وذلك من خلال مسارين متزامنين: الأول خاص بالتصدي لمظاهر الهوية الدينية، وكان من بين محطاتها إلغاء لجنة الظواهر السلبية، والثاني يعنى بتجذير القيم الدستورية، من خلال تشريعات تعزز الحريات وتقضي على التمييز.
شعار هذه المجموعة المتضامنة هو «الحقوق والحريات لا تتجزأ»، ولسان حال كل عضو فيها «أطالب بمنحك حقوقك مع حقوقي». فتجد المحافظ يطالب بإلغاء الرقابة المسبقة عن مؤلفات ليبرالية، ويقابله ليبرالي يطالب بحماية الحريات الدينية.
في مقابل هذه المجموعة المدنية التعددية، هناك مجاميع سياسية متعددة الانتماءات الاجتماعية والمذهبية، منزعجة بشدة من التطورات الإيجابية الأخيرة، إما بدوافع مرتبطة بالتنافس الانتخابي،  واما لأسباب متعلقة بصراع الاقطاب.
فمن جانب تجد من تكسّب كثيراً في ملف البدون، من دون أن يجنّس أحداً منهم؛ تجده اليوم يصرخ مدعياً أن اقتراحا بقانون إلغاء الحظر على تجنيس غير المسلمين سيكون على حساب تجنيس البدون! ومن جانب آخر، تتفاجأ بمن طالب باكياً بإلغاء استجواب رئيس الحكومة، في مجلس سابق؛ تتفاجأ به اليوم ينتقد النواب الذين يتصدّون - بعقلانية وحكمة تنسجمان مع مضامين رسالة سمو الأمير التي نقلها رئيس البرلمان - لتعسّف بعض زملائهم ضد الرئيس جابر المبارك. للأسف بعض السياسيين بمواقفهم المتهورة - المضادة للرسائل السامية - يعمِّقون الحفرة التي أسقطوا أنفسهم فيها... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتناب».

تعليقات

اكتب تعليقك