#جريدة_الآن عصام الفليج يكتب: أمون عليك ولا أمون على أخوي

زاوية الكتاب

كتب عصام الفليج 622 مشاهدات 0


الأنباء:

كنا نتحاور في إحدى الديوانيات حول بعض النباتات المفيدة في الوقاية والعلاج، وذكر رجل ستيني نبتة «المورينغا» وفوائدها العديدة، والكل منتبه إليه، وهي نبتة مفيدة للعديد من الأمراض المستعصية، يعود أصلها إلى الهند، وتنمو في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وهناك من جرب زراعتها في الكويت ونجحت، وقال ان أخاه زرعها في مزرعته، وأحضر ورقة منها عرضها علينا، فبادره أحد الحضور بطلب أوراق منها لأنه يعاني من مرض ما ويرغب في العلاج بها، فرد عليه وهو مطأطئ رأسه: اعذرني.. فأنا لا أستطيع أن أطلبها منه، فوالله إني أمون عليك ولا أمون على أخوي. فصمت الجميع أمام هذه الكلمة، وتم تغيير الموضوع.

كم آلمني هذا الرد المفاجئ، واستوقفتني جملته «أمون عليك ولا أمون على أخوي»، فماذا بعد هذا العمر بين أخوين وقد شارف على السبعين؟ وكيف يسمح أخوه لنفسه بأن يمون عليه ربعه، ولا يمون عليه أخوه الأكبر؟ ما هذا التفكير الذي ضيق بين أخوين؟

يقول أحد الشباب: اتصل عليّ صديق عزيز، وقال أنا محتاج الآن 150 دينارا، فقلت له: حياك الله. وجاءني فورا وأعطيته المبلغ، ورحل. سألته فيما بعد: أعرف أن لديك إخوة كثيرين، وبعضهم يملك مالا لا بأس به، ومبلغ 150 دينارا ليس كثيرا، فقال: العلاقة بيني وبين إخواني وأخواتي شبه رسمية، صحيح نلتقي أسبوعيا على غداء وعشاء، لكني لا أستطيع طلب شيء من أي أحد، وأمون عليك أكثر منهم.

يا إلهي.. ما هذه الحياة الجافة بين الإخوة، وكيف يهنأ لهم بال بهذه النفسية القاسية، وقد انتزعوا المحبة والمودة من قلوبهم؟

لعلي لا أبالغ إذا قلت إن عددا كبيرا من الأسر تعيش هذه النفسية، ولكنها لا تعلنها، وما أعلنها إلا من ضاقت به نفسه، والأسباب في ذلك عديدة ومختلفة، ولسنا بصدد علاجها، لأنها أمراض اجتماعية مزمنة، ولكن لا بد من التعايش معها بما يحقق التعامل الإنساني بين الإخوة، واستخدام التغافل، وافتعال المودة ولو مجاملة، دون إهدار كرامة أو إذلال أو إهانة، ودون كيديات، فسلوك غير أخلاقي أن تعامل الآخرين أفضل من أخيك.

أكرر.. عندما تعامل الآخرين أفضل من أخيك، فذاك سلوك غير أخلاقي.

أعرف رجلا غنيا أدخل إخوانه البسطاء في تجارته، فأصبحوا أسماء لامعة، ويقدم أخاه الأكبر في المجالس، ولا يتمنن عليهم أبدا، وغنيا آخر أشرك أخاه البخيل الميسور في بعض تجارته، فلما رآه لا ينفقها على نفسه ولا عياله، بدأ يصرف عليه بشكل غير مباشر، رأفة به وبعياله، ولا يشعره بأي فضل.. كل ذلك من باب تجاوز الاختلافات، ولم الشمل.

«الدنيا زائلة».. كلمة نرددها كل يوم، ونتخذها شعارا عند الحديث عن الآخرين، ولكننا قد نفتقد تطبيقها على أنفسنا، والسبب باختصار شعور «النقص» الذي أدى إلى «الكبر»، وليس بالضرورة أن يكون الكبر من الغني فقط، فقد جاء في الحديث «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر»، والعائل هو الفقير، لذا جاء التحذير.

أعرف أن الكلام ثقيل على النفس، ولكن لا بد من التذكرة، فلا أجمل من تحقيق معاني الأخوة بشموليتها، قولا وفعلا، وما أجمل أن يقول ذلك الستيني أمام الناس وبكل فخر: نعم.. أمون على أخوي.

معلومة: «المورينغا» شجرة طويلة ونحيفة، ومن أسمائها «البان»، لذا توصف المرأة الطويلة الممشوقة القوام عند العرب بأنها مثل «غصن البان».

تعليقات

اكتب تعليقك