#جريدة_الآن د. عبدالحميد الأنصاري يكتب: المشرع الخليجي والمواطنة الخليجية

زاوية الكتاب

كتب د. عبدالحميد الأنصاري 902 مشاهدات 0


الجريدة:

نظم منتدى التنمية الخليجي ملتقاه السنوي 39 الكويت من 1 إلى 2 فبراير 2019 حضره جمع كبير من المثقفين الخليجيين من الجنسين حول "المرأة الخليجية والتنمية"، وشارك عدد من الزملاء والزميلات بأوراق بحثية مهمة: د. محمد الرميحي، د. منى البحر، د. مها المنيف، د. ريم الفريان، الأستاذة إيمان المرهون.

كانت مساهمتي محاولة البحث عن إجابات لجملة من التساؤلات المطروحة على العقل الجمعي الخليجي: 

مجتمعنا الخليجي أنجز تطوراً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً وثقافيا مشهوداً، أولاً، كما حقق انفتاحاً على دول العالم وثقافاتها ومعطيات العصر التكنولوجية، كأكبر منطقة عربية تفيد من فرص العولمة الاستثمارية والمعرفية والتقنية وتبني علاقات استراتيجية وشراكات دولية مع القوى العظمى والاقتصادات الصاعدة، ثانياً، والمرأة الخليجية اليوم تؤدي دوراً بارزاً في المجتمع، وتشارك بفعالية في كل المجالات التنموية، وتقلدت مناصب قيادية مؤثرة، ثالثاً، وقد انضمت دولنا إلى مواثيق حقوق الإنسان وصادقت عليها، رابعاً، ويشكل الخليج اليوم كياناً قيادياً يحمي المصالح العربية العليا بعد تراجع الدور القيادي للعواصم المركزية، كما في "لحظة الخليج التاريخية" خامساً.

التساؤلات المطروحة: لماذا، وبالرغم من كل هذه التغيرات الشاملة، لا تزال نظرة المشرع الخليجي تجاه المرأة بالذات، محكومة بمواريث ثقافية اجتماعية ماضوية منتقصة من وضعية المرأة ودورها في الحياة العامة والتنمية؟! ولماذا لا تزال التشريعات الخليجية: الأحوال الشخصية، قانون الجنسية، تمييزية تجاه المرأة؟! ولماذا بقيت نظرة المشرع الخليجي للمرأة جامدة، ولم تواكب التغييرات التي تشهدها الساحة الاجتماعية؟! ولماذا التشريعات الاجتماعية أسيرة لموروثات ثقافية اجتماعية دينية قديمة لا ترى المواطنة نداً للمواطن في الحقوق والواجبات؟! ولماذا لا تزال يد الماضي قوية وثقيلة وحاكمة للمشرع الخليجي في كل ما يتعلق بحقوق المرأة وإنصافها، كونها إنسانة مكرمة، أولاً، وكونها مواطنة، ثانياً، لها كل حقوق المواطنة؟! وما مصادر هذه الروح التمييزية؟ ولماذا استمرار هذه الوضعية الظالمة؟ هل التعاليم الدينية، هي المسؤولة، أو الثقافة الدينية (الموروث الملتبس بالدِّين)؟ تسعى الورقة إلى تفكيك هذا الموروث الثقافي الديني بالغوص إلى الأعماق التاريخية للكشف عن جذور العطب العميق.

مجتمعنا الخليجي ذكوري بامتياز، والذكورية متجذرة ثقافة وممارسة، وريعي بالدرجة الأولى، يعيش بالريع وعليه.

تجليات الثقافة الذكورية الريعية تبرز في: حرمان المواطنة المتزوجة من غير مواطن منح جنسيتها لأولادها، والولاية، والميراث، والشهادة، وحرمان الأم المطلقة إذا تزوجت من الحضانة، وزواج القاصرات، وحق الطلاق. 

ما جذور هذا الموروث؟ 

عندما نزل القرآن، فإنما نزل على مجتمع يموج بمزيج من العادات والتقاليد ورواسب ثقافية مستمدة من رافدين: الإرث الثقافي لبلاد ما بين النهرين (البابلي الآشوري)، والإرث الثقافي العبراني، كان هذا المزيج يعتمد رؤية دونية للمرأة، وأعلوية الرجل واعتباره السيد المطاع، جاء الإسلام بتعاليمه السامية، منصفاً للمرأة والمهمش والضعيف واليتيم، وانتشرت تلك التعاليم، وتغير المجتمع، لكن فعالية التعاليم لم تستمر طويلاً، لأن الأرضية المجتمعية لم تتخلص من الآفات القديمة، وسرعان ما عادت المواريث القديمة المزدرية للمرأة لتحكم مجتمعاتنا عبر التاريخ الإسلامي إلى يومنا. 

المشرع الخليجي مدعو إلى إعادة النظر في تشريعات الأسرة والمتعلقة بالمرأة، بما لا يخرج على الثوابت، في ضوء محددات 5: مقاصد الإسلام، والدساتير الخليجية، ومواثيق الحقوق، ومشاركة المرأة، والتغيرات المجتمعية.

ختاماً: إذا كان لي أن أفخر خليجياً، فإني أفخر بصمود منجزين خليجيين مستمرين 4 عقود رغم كل التحديات: الكيان التعاوني الرسمي (38 عاماً)، والكيان الثقافي المدني (40 عاماً) منتدى التنمية، الذي أسسه مثقفون خليجيون مهمومون بالشأن العام، وبالجهد الطوعي، كم تمنيت حضور الآباء المؤسسين اللقاء، الرحمة لمن رحلوا، وطول العمر والصحة للباقين، تميز اللقاء بحضور نسائي واسع، لكني تمنيت دعوة شخصيات نسائية كويتية لهن تاريخ نضالي.

سمي اللقاء باسم المرحوم أحمد الربعي، وألقى الأستاذ يوسف الجاسم كلمة قيمة احتفاء بذكراه، وهي سنة حسنة.

ويبقى الشكر للدكتورة فاطمة الشامسي، مديرة المشروع، والمنسق العام، ورؤساء الجلسات، والأخت نجاح.

* كاتب قطري

تعليقات

اكتب تعليقك